{ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ( 61 )} .
تباركأي تعالت بركته سبحانه ، فالضمير يعود إلى الله تعالى الذي يمتلئ الوجود كله بذكره وتسبيحه ، وإن كل بركة ونفع في هذا الوجود يرجع إليه سبحانه ، ولذا تتعالى بركته في هذا الوجود الإنساني كله ، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى بعض مظاهر بركته ، وفيض رحمته فقال:
{ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا} البروج جمع برج ، وهو القصر العظيم ، كما قال تعالى:{. . . ولو كنتم في بروج مشيدة . . . ( 78 )} [ النساء] ، ولقد قال مجاهد:البروج في الآية الكريمة هي الكواكب العظام وكأنها شبهت في عظم مرآها وجمالها ، وكمالها بالقصور المشيدة التي تأخذ بالأنظار تقريبا للأنفس ، وليس المعنى أنها مشبهة بالقصور في تكوينها ، فإن خلقها أقل من خلق الكواكب العظيمة ، والمشبه به يكون أقوى من المشبه ، وليس الأمر كذلك في هذا التشبيه ، إنما التشبيه للتقريب لإدراكنا .
وخص سبحانه وتعالى من الكواكب بالذكر الشمس والقمر ، فقال:{ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا} الضمير في فيها يعود إلى البروج ، أي جعل في البروج أي في عمومها سراجا ، والسراج هو الشمس كما عبر سبحانه وتعالى في آية أخرى{ وجعلنا سراجا وهاجا ( 13 )} [ النبأ] ، وكما قال تعالى:{ ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا ( 15 ) وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ( 16 )} [ نوح] .
وهنا نقول:شبهت الشمس بالسراج تقريبا لأفهامنا على سبيل الاستعارة ، وذلك إشارة إلى أنها مصدر الضوء والنور لما حولها من الكواكب ، ووصف القمر بأنه منير ، أي أن من شأنه أن ينير في الظلام ، ولكن الشمس ، جعلها الله تعالى المصدر ، لأنها سراج هذا الوجود ، وقد قال في ذلك علماء الكون:إن الشمس تضيء الأرض فيكون النهار ، ومن انعكاس أشعتها على الأرض يكون نور القمر ، فالأصل كما خلق الله تعالى كان من الشمس ، وأضاء الأرض ، وبانعكاس ضوئها على القمر كان القمر منيرا .