الآية التالية إجابة على سؤالهم حيث كانوا يقولون: «وما الرحمن » ،وإن كانوا يقولون هذا على سبيل السخرية ،لكن القرآن يجيبهم إجابة جادة ،يقول تعالى: ( تبارك الذي جعل في السماء بروجاً ) .
«البروج » جمع «برج » في الأصل بمعنى «الظهور » ولذا يسمون ذلك القسم الأعلى والأظهر من جدار أطراف المدينة أو محل تجمع الفرقة العسكرية «برج » ،ولهذا أيضاً يقال حينما تظهر المرأة زينتها «تبرجت المرأة » ،وهذه الكلمة تطلق أيضاً على القصور العالية .
على أية حال ،فالبروج السماوية ،إشارة إلى الصور الفلكية الخاصّة حيث تستقر الشمس والقمر في كل فصل وكل موضع من السنة إزاء واحد منها ،يقولون مثلا: استقرت الشمس في برج «الحمل » يعني أنّها تكون بمحاذاة «الصورة الفلكية » ،«الحمل » ،أو القمر في «العقرب » يعني وقفت كرة القمر أمام الصورة الفلكية «العقرب » ( تطلق الصورة الفلكية على مجموعة من النجوم لها شكل خاص في نظر المشاهد ) .
بهذا الترتيب ،أشارت الآية إلى منازل الشمس والقمر السماوية ،وتضيف على أثر ذلك: ( وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً ){[2875]} .
تبيّن هذه الآية النظم الدقيق لسير الشمس والقمر في السماء ( وبديهي أن هذه التغييرات في الحقيقة ترتبط بدوران الأرض حول الشمس دائماً ) .والنظام الفذ الدقيق الذي يحكمهما ملايين السنين بلا زيادة أو نقصان ،بالشكل الذي يستطيع الفلكيونأحياناًأن يتنبؤا .قبل مئات السنين بوضع حركة الشمس والقمر في يوم معين وساعة معينة بالنسبة إلى مئات السنين الآتية ،هذا النظام الحاكم على هذه الأفلاك السماوية العظيمة شاهد ناطق على وجود الخالق المدبر والمدير لعالم الوجود الكبير .
مع هذه الدلائل الواضحة ،ومع هذه المنازل البديعة والدقيقة للشمس والقمر ،فهل مازلتم تجهلونه وتقولون: «وما الرحمن » !؟
أمّا لماذا سميت الشمس ،«سراجاً » ،وقُرِنَ القمر بصفة «منير » ؟فمن الممكن أن يكون دليله أن «السراج » بمعنى المنبع الضوئي الذي نوره مستمدٌ من ذاته وهذا ينطبق على حال الشمس ،حيث أنّ من المسلمات العلمية طبقاً للتحقيقات أن نورها من نفسها .بخلاف القمر الذي نوره من ضياء الشمس ،ولذا وصفه ب «المنير » الذي يستمد نوره من غيره دائماً ،( في التّفسير الأمثل ،أوردنا القول مفصلا في هذا الصدد ،ذيل الآية 5 و 6 سورة يونس ) .