في الآية الأخيرة ،يواصل القرآن الكريم التعريف بالخالق سبحانه ،ويتحدث مرّة أُخرى في قسم آخر من نظام الوجود ،فيقول تعالى: ( و هو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً ) .
هذا النظام البديع الحاكم على الليل والنهار ،حيث يعقب أحدهما الآخر متناوبين متواصلين على هذا النظم ملايين السنين ...النظم الذي لولاه لانعدمت حياة الإنسان نتيجةً لشدة النور والحرارة أو الظلمة والعتمة ،وهذا دليل رائع للذين يريدون أن يعرفوا الله عز وجل ومن المعلوم أن نشوء نظام «الليل » و «النهار » نتيجة لدوران الأرض حول الشمس ،وأن تغيراتهما التدريجية والمنظمة ،حيث ينقص من أحدهما ويزاد في الآخر دائماً بسبب ميل محور الأرض عن مدارها ممّا يؤدي لوجود الفصول الأربعة .
فإذا دارت كرتنا الأرضية في حركتها الدورانية أسرع أو أبطأ من دورانها الفعلي ففي احدى الصور تطول الليالي إلى درجة أنّها تجمد كل شيء ،ويطول النهار إلى درجة أنّ الشمس تحرق كل شيء ...وفي صورة اخرى فإنّ الفاصلة القصيرة بين الليل والنهار كانت ستبطل تأثيرهما وفائدتهما .فضلا عن أنّ القوّة المركزية الطاردة كانت سترتفع بحيث ستقذف جميع الموجودات الأرضية بعيداً عن الكرة الأرضية .
والخلاصة أنّ التأمل في هذا النظام يوقظ فطرة معرفة الله في الإنسان من جهة ( ولعل التعبير بالتذكر والتذكير إشارة إلى هذه الحقيقة ) ،ومن جهة أُخرى يُحي روح الشكر فيه ،وقد أُشير إلى ذلك بقوله تعالى: ( أو أراد شكوراً ) .
الجدير بالذكر أنّنا نقرأ في بعض الرّوايات التي نقلت عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو الأئمّة المعصومين في تفسير الآية ،أن تعاقب الليل والنهار من أجل أن الإنسان إذا أهمل أداء واجب من واجباته تجاه الله سبحانه وتعالى فإنّه بإمكانه جبرانه أو قضاءه في الوقت الآخر منهما .هذا المعنى من الممكن أن يكون تفسيراً ثانياً للآية ،وممّا سبق من كون الآيات القرآنية ذات بطون ،فلا منافاة بين هذا المعنى والمعنى الأوّل أيضاً .
وفي ذلك ورد في حديث عن الإمام الصادق( عليه السلام ) أنّه قال: «كلّ ما فاتك بالليل فاقضه بالنهار ،قال الله تبارك وتعالى: ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ) يعني أن يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار ،وما فاته بالنهار بالليل »{[2876]} .
نفس هذا المعنى نقله «الفخر الرازي » عن النّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله سلم ) .