{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الَّليْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} يخلف كل منهما صاحبه ،في خصائصه الكونية التي تحتوي حياة الإنسان والحيوان والنبات ،فتبعث فيها روح التوازن ،حيث جعل الليل لباساً والنهار معاشاً ،ما يفرض على الإنسان أن يفكر فيه ،ليكتشف جوانب الدقة في الخلق ،والعظمة في الإِبداع ،{لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ} فيدفعه ذلك إلى وعي مسألة الإيمان في ذاته ،وإلى موقع الله في حياته وحياة الكون كله ،فلا يغفل عنه طرفة عين ،أمام هذا الوجود الذي ينفذ إلى كل لحظة من لحظات وجوده ،فيستوعب كل جوانبه ،فيرى الله في كل شيء حوله ،في إشراقة النهار ،وفي ظلام الليل ،{أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} عندما يرى حركة النعمة في ذلك عبر أجواء الراحة التي تحتوي جسده ،فتدفعه إلى الهدوء في النوم الذي يطبق على حواسه ،فيبعث فيها الخدر اللذيذ ،والراحة المنعشة ،أو عبر ما هيّأه له من حركة اليقظة المندفعة المتوثبة بالانطلاق نحو معاشه بما يكفل له الاكتفاء الذاتي ،لتستمر حياته[ 1] .
وهذا ما ينبغي للإنسان أن يواجه به حركة الوجود في حياته ،ليلتفت إلى مظاهر عظمة الله ،وإلى مواقع نعمه ،فيحسّ بالإيمان من حوله ،وهو ينطلق بالوحي الذي يملأ العقل والوجدان ،ويلتقي بالحياة ،بما يملأ الحسّ والشعور ،ليجعل من الكون مدرسةً للعقيدة ،ومنطلقاً للّقاء بالله في كل نعمه الظاهرة والخفية .
وقد تكون مشكلة أولئك الكافرين بالله ،والمتمرّدين على طاعته ،أنهم لا يواجهون الوجود من موقع المسؤولية في الفكر ،والوعي في الإحساس ،والحركة في مواجهة الواقع .