ولهذه الصلة بين الشمس والأرض والقمر قال تعالى بعد ذكر الشمس:
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ( 62 )} .
الضمير يعود للذات الإلهية التي يجب أن يكون ذكرها في قلب كل مؤمن ، وهو الذي يسبح له الرعد بحمده ،{ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} ، أي يخلف كل واحد منهما الآخر ، كأنه يذهب عن الوجود ليكون الثاني خليفة له في إحكام ودقة ، وانتظام وتداول بينهما ، فالإنسان بين ليل يغشاه ، وليل يبرزه ، وبين حياة هادئة ساكنة يستروح فيها راحة الحياة واستقرارها ، وبين لغوب وعمل وكد وعناء ، وقال تعالى:{ لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ} يذكر أصلها ليتذكر ، أي أنه في هدأة الليل يتذكر نعم الله تعالى نعمة نعمة ، ويعتبر أمره عبرة بعد عبرة ، وأخذ مواعظه عظة بعد عظة .
وقوله تعالى:{ لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} اللام حرف جر متعلق بجعل ، أي هذا الليل والنهار خلفة لتكون مادة اعتبار وإدراك لمن أراد أن يتذكر ، ويعرف قدرة الله تعالى وخلقه ، وإبداعه في التكوين ، فيذكر قدرة الله تعالى الخلاق العليم ، وأنه ليس كمثله شيء ، وأنه خالق كل شيء ، والمنعم على كل شيء ، وأراد أن يشكر على ما أنعم بالطاعة .
وفي هذا التعبير الحكيم إشارة إلى تبعة الإنسان في إهماله أو اعتباره ، لأنه سبحانه قال{ لمن أراد} فإرادته هي الموجهة له بعلم الله العلي الكبير ، وبهذه الإرادة يستحق الثواب ويستحق العقاب ، والله تعالى يهدي من أراد الهداية بالتذكر وشكر النعمة ، وأوهنا للدلالة على التردد بين أمرين . أولهماالتذكر وهي تذكرة دائما ، أو الخطوة الأخرى التي تكون بعد التذكر ، وهو الشكور ، وهي مصدر شكر ، فمصدر شكر الشكر ، والشكور ، كمصدر كفر الكفر والكفور .
واذكر أصلها تذكر ، سكنت التاء وأدغمت في الذال وجاءت همزة الوصل ليمكن النطق بالساكن ، وإن الليل والنهار من تعاقب الشمس والقمر في الحس ، وهما مستمران في دأب وتوال ، كما قال تعالى:{ وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار ( 33 )} [ إبراهيم] ، وقال تعالى:{. . . يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا . . . ( 54 )} [ الأعراف] صدق الله تعالى .