صفات المؤمنين المتذكرين
هذه الآيات الكريمات تصور صفات المؤمنين التي يتكون منها المؤمن الصادق ، وهي تجمع بين أمور ثلاثة من الصفات:أولهاالصفات الموجبة المكونة معنى الإيمان ، والتي هي خلال أهل الإيمان الذين تعلو الإنسانية بهم ، ولا يستعلون عليها ، وهي من أول الآيات إلى قوله تعالى:{ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} .
وثانيهاصفات سلبية ، وهي التي تبتدئ من هذه الآية الأخيرة .
وثالثهاالذين يبتغون الحياة الزوجية بالطهر والعفاف ، وختم سبحانه الآية ببيان الجزاء الأوفى .
الصفات الإيجابية:
قال تعالى:{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ( 63 )} .
وصفهم الله تعالى بأنهم عباد الرحمن ، وهذا الوصف يشعر بأنهم رحماء فيما بينهم ، لا يجافون ، ولا يتناحرون ، بل هم في اطمئنان وسلام ، وروحانية ، لا يجعلون للمادة من حياتهم إلا أن تكون غذاء طيبا يأخذون منه القوة للقيام بواجبهم ، وهم في أوصافهم الظاهرة والباطنة يتطامنون ، ولا يستكبرون ، والهون مصدر هان يهون هونا ، وهو المشي في غير عنف ، ولا تجبر ، وهو وصف محمود ، وهو ضد الهوان الذي يذل صاحبه للقوي أو المتغطرس ، ويهون عليه ، وهو من عذاب ، ومعنى هونا أي يمشي في سكينة ووقار وفي قصد وتؤدة ، وتلك أخلاق الأنبياء والذين يقتدون بهم ، فالمؤمن يسير في رفق ، وقد وصف الله مشي النبي بأنه كان يمشي في هون ورفق ، تبدو في مشيته قوة الماشي غير المصطنع المتخاذل ، وغير المختال المرح المتعالي ، وكما قال تعالى:{ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ( 37 )} [ الإسراء] ،{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} والجاهلون هم الحمقى الذين لا يعرفون ما أحله الشرع ،{ قَالُوا سَلَامًا} أي سلما وأمنا ، فهم لا يعلون على الناس ، ولكن يسالمونهم ، وإذا رأوا حمقى لا يحاورونهم ، ولا يخاطبونهم على مقتضى قولهم ، وإن ذلك دأب الحكماء المتقين ، يهدون ، ولا يجهلون ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجاهل إلا حلما .
ولقد روى أن إبراهيم بن المهدي كان ناصبيا يعادي ، وكان المأمون علويا معتدلا ، فقال إبراهيم بن المهدي رأيت في رؤيا عليّا فتكلم ، فما رأيت في كلامه بلاغة ، قال فماذا قال لك إذ خاطبته ؟ قال:سلام ، قال إذن فقد رأيت عليا ، يشير إلى أن عليا خاطبه بما تؤدب به الآية ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، وقد قال تعالى في وصف المتقين في آية أخرى{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ( 55 )} [ القصص] .