الوصف الثاني من أوصاف أهل الإيمان الإيجابية:{ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} .
هذا عمل إيجابي ، وإذا كان العمل الأول معناه التطامن للناس ، وألا يكون بينهم وبينهم شغب ، حتى إذا خاطبهم السفهاء بما لا يصدر إلا عنهم ، لا يبادلونهم السفه بسفه مثله ، بل يقدمون لهم السلام والأمن ويطمئنون ، ولا يشاغبون . وهذا عملهم مع الناس ، أما هم بالنسبة لله ، فقد ذكر سبحانه ذلك في بيانهم ، وهو السجود لله تعالى والقيام له ، والخضوع له تعالى ، فقال:{ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} هذا عطف على الجملة السابقة في بيان عملهم لله ، وكذلك ما يجيء من بعده من أحوال لهم ، واللام في قوله{ لربهم} متعلقة ب{ سجدا} أي أنهم يبيتون ساجدين لربهم خاضعين ، وقائمين له ، وقدم قوله تعالى{ لربهم} ، لبيان قصر السجود عليه ، فلا يسجدون لغيره إذ لا يعبدون غيره ، ولا يسجدون لسواه .
والسجود والقيام كناية عن الصلاة ، فهم يتهجدون مطيعين ، لقوله تعالى:{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ( 79 )} [ الإسراء] .
وإن معنى الآية أنهم يبيتون على هذه الحال ، تنام أعينهم ، ولا تنام قلوبهم ، كما قال تعالى عنهم:{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع . . . ( 16 )} [ السجدة] وقال تعالى:{ أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه . . . ( 9 )} [ الزمر] .
هذه بعض أحوال عباد الرحمن:اتجاه إلى الله وإغضاء عن مساوئ الناس ، ويكون الله تعالى في بياتهم فيكونون لله تعالى في مبيتهم ، وفيما يجرحون من أعمال بالنهار .