وهذه قصة نبي آخر من الأنبياء ،قصة هود الذي أرسله الله إلى قومه عاد ،وهم من العرب العاربة الأولى الذين كانوا يسكنون الأحقاف من جزيرة العرب ،ولهم مدنية راقية وأراضٍ خصبة وديار معمورة ،فطغوا وبغوا وتجبّروا وكذبوا الرسل ،فأهلكهم الله بالريح العقيم وخرب ديارهم وعفا آثارهم .
{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} إنه المنطق نفسه الذي جاء به نوح لقومه في الدعوة إلى الإيمان من موقع التقوى الذي يقود الإنسان إلى التفكير في كل ما يعرض عليه من أفكار وآراء ،ولا بد له من أن يخاف الابتعاد عن الحق إذا أنكرها من خلال الإِهمال واللاّمبالاة والهروب من مواجهتها بالفكر الواعي المسؤول ،فيقع في النتائج الصعبة التي يواجهها كل من أنكر الحق والتزم الباطل ،بإرادةٍ أو بإهمال ،ثم الإعلان عن الرسالة الأمينة من خلال أمانة الرسول ،والدعوةبعد ذلكإلى التقوى في حركة الإيمان وفي حركة الطاعة في ما يمثله ذلك من التزام بربوبية الله لعباده ،وقيادة الرسول للأمة ،والإعلان عن رفض الأجر المادي الذي قد يفكرون بأنه هاجس الرسول في دعوته ،لأن الرسل لا يطلبون الأجر إلا من الله وحده .
وهكذا نستوحي وحدة التوجّه الرسالي لدى الأنبياء في خط الدعوة إلى الله ،ووحدة الأجواء التي كانت تهيمن على أممهم ،مما لا يدفع إلى تغيير التفاصيل في الطروحات العامة إلا بمقدار ضئيل .