{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} المطرودين من أرضنا ،لأنك تدعو إلى تغيير عاداتنا ،وتسفيه أحلامنا ،وتشويه صورتنا ،والتنكُّر لرغباتنا ،وتتدخلبعد ذلكبما لا يعنيك ،لأننا نملك الحرية في التصرف بأجسادنا بالطريقة التي تحلو لنا ،بعيداً عن القيود والحدود .وما دخل الله في ذلك كله ،وما دخل الشريعة في تبديل الأمزجة الإنسانية ؟لقد تعدّيت حدودكيا لوطوتجاوزت الخطوط الحمراء التي لا يجوز لإنسانٍ متوازن أن يتجاوزها ،بل يجب عليه مراعاة اللياقات الاجتماعية ،فلا يسيء لعاداته وتقاليده .
منطق دعاة حرية الشذوذ الجنسي
ولكن الحقيقة ،أمام المنطق الذي يمكن أن يستوحى من تصورات قوم لوط ،في ما ينطق به أتباعهم المعاصرون من الداعين إلى حرية الشذوذ الجنسي المذكر ،كقضيةٍ من قضايا الحرية الفردية المقدّسة ،أن ذلك لا يمثل أيّة حجةٍ مقنعة ،لأن اللهمن وجهة النظرة الدينية التوحيديةهو الخالق للإنسان والمدبّر له والمالك لأموره كلها ،فلا بد من أن يأذن للإنسان بما يأخذ به أو يدعه من أفعال ،لأنه يملك منه ما لا يملكه من نفسه ،وهو الذي يتدخل ليحمي الإنسان من نفسه ،كما يحميه من عدوان غيره .
ثم إن الحرية ليست حالة مزاجٍ منفصل عن النظام العام للفرد في مواقع فرديته ،لأن الفردية المطلقة لا وجود لها ما دام الإنسان مرتبطاً بالأفراد الآخرين في الهيكل الاجتماعي المشترك المترابط في حاجاته وأوضاعه ،المتكامل في غرائزه المتحركة من أجل استمرار وجوده في النوازع الخاصة ،أو في العلاقات العامة ،فهناك خطٌ يتصل في حركته بالفطرة الإنسانية الداخلية والخارجية في تواصل الحاجات الجسدية وتفاعلها ،فلا بد من دراسة ذلك في التخطيط لقاعدة الحرية الفردية بالمستوى الذي لا تتحول فيه إلى خطرٍ على الحرية الاجتماعية في حفاظ المجتمع على وجوده في علاقاته الأخلاقية والغريزية والعاطفية .
وهكذا لم يكن لديهم أية حجةٍ مقنعةٍ في مواجهة دعوته ،بل كانت القواعد المهدّدة بالنفي والتشريد والقتل هي سبيلهم إلى إسكات صوته وإسقاط موقفه ،ولكن النبي لم يتراجع ،ولم يسقط ،ولم يغيّر موقفه ،بل رفع أمره إلى الله في تقريره الأخير بعد أن أعلن لهم بأنه رافضٌ لعملهم ،وبريء منهم ،ليحدّد الفواصل التي تفصله عنهم في ما يفصل المؤمن عن الكافر ،وفي ما يفترق به التقي عن الشقي ،والمستقيم عن المنحرف .