لقد كانت عقيدة التوحيد هي الأساس في رسالة كل نبيّ ،لأنهاهيوحدها التي تحدد للإنسان خط السير ،وتوحّده في جميع مجالات الحياة نحو الإِله الواحد ،كهدفٍ وحيد في العقيدة والعبادة والتشريع .وهذا ما استهدفه الكتاب في آياته ،والرسل في دعواتهم ،وهو ما تعالجه هذه الآيات في إثارة الأسئلة المتحديّة حول الإِله الواحد واليوم الآخر .
{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} في عملية إيحاءٍ داخليّ للمؤمن بكل الصفات الجلالية والجمالية التي تفتح قلبه على الله ليثني عليه بما هو أهله في صفات عبده ،كما هو الأمر في صفاته في ذاته ،لأن أيّ حمدٍ لأيّ مخلوقٍ راجعٌ إليه ،لأنه مستمدٌ من فيوضاته ونعمه ،فإذا كان الإنسان مظهر قدرة الله ،فإن صفاته مظهر حكمته ونعمته ،فكل حمد راجع إلى حمده ،قلْهادائماًفي أناء الليل وفي أطراف النهار ،وفي جميع مواقع الحياة ،لأن ذلك هو الذي يملأ قلبك بالله ،فلا ينبض بالإِحساس بعظمة مخلوق إلاَّ ليكون ذلك إحساساً حياً بعظمة الله في عظمة خلقه .
{وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} ليكونوا حملةً لرسالته ،وأدلةً على توحيده ،وهُداةً لتعاليمه ،لأنهم في الموقع الرساليّ المميز الذي يفرض على الناس أن يرفعوهم إلى المستوى الأعلى في التقدير والتعظيم ،فيعبرون عن ذلك بتحية السلام ،التي تتناسب مع أجواء السلام الروحي الذي يعيشون له ويدعون إليه ،كدليلٍ على وقوفهم معهم في ساحة التحدي مع الكافرين ،وانفتاحهم على الجانب الرسالي من حياتهم ،واستعدادهم للسير على منهجهم .وهكذا يريد الله للناس أن يعبّروا عن مشاعر الدعم والتأييد للرساليين ،بكل الكلمات والمواقف التي تمثل قوّة الموقع الرساليّ في حركة الناس .
ثم فكروا في ما يوحي به ذلك من اختزان عظمة الله في النفس ،والمقارنة بينه وبين غيره ،مما يُشرك الناس به في العبادة ،ليتساءلوا من قاعدة الفكر المنفتح المقارن:
{ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} وسيخرجون بنتيجة حاسمةٍ واحدة ،هي أن الله هو الأعظم والأعلى والأقوى والأفضل في كل شيء ،لأنهم المربوبون له وهو الرب ،ولأنهم المحتاجون إليه وهو الغنيّ ،ولأنهم المخلوقون الذين يستمدون كل شيء منه وهو الخالق ،فأيّ فضل لهم لا يرجع إليه ؟!ولعل إثارة هذا السؤال في الموقف العقيديّ هو لتسجيل الفكرة ،لا لحاجتها إلى الإيضاح والتحليل .