{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً} كنايةً عن حالة الذهول والجزع الذي يستلب العقل ،ما يجعل القلب فارغاً من العقل الذي يفكر بهدوء .فقد كان سماعها لوقوعه في يد فرعون صدمةً قويةً لها مما يمكن أن يحدث له من خطر القتل ونحوه .وذلك كما في قوله تعالى:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ} [ إبراهيم:43] أي جوف لا عقول فيها ،ومنه بيت حسان:
ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوّف نخبٌ هواء
وذلك أن القلوب مراكز العقول ،ألا ترى إلى قوله:{لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ} ؟ [ 2] .
ولعل هذا هو الأقرب من خلال سياق الآية ،إلاّ أن هناك تفسيراً آخر ذكره في الكشاف واستقربه صاحب تفسير الميزان "أي وأصبح فؤادها فارغاً من الهم حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه "..وقد علّل صاحب الميزان ترجيحه له .. "أن ظاهر السياق أن سبب عدم إبدائها له فراغ قلبها وسبب فراغ قلبها الربط على قلبها ،وسبب الربط هو قوله تعالى لها فيما أوحى إليها:{وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ} "[ 3] .
ولكننا نلاحظ على ذلك أن الآية تتحدث عن موقف أم موسى ،كأمٍّ طبيعيةٍ لا تعرف مصير ولدها الذي رمته في البحر ،فهي تفكر بحيرة وقلق في ما يعيش في داخلها من الأفكار المتضاربة ،ولذلك فإن فراغ القلب يعني أنه لا يحمل في داخله ما يمكن أن يحقق لها الثبات والاستقرار في الموقف .أما قوله تعالى:{إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} فإن الظاهر منه أنها كادت أن تصرّح بأمره وقصته للتعبير عن عمق القلق الذي يهزها ،فتفسد بذلك الخطة الموضوعة في رجوعه إليها بالطريقة التي لا تثير أيّ شك في طبيعة القضية التي لو ظهرت لأمكن لفرعون أن يفكر بأنها مؤامرة مدبّرة ضدّه ،أو ضد قراراته .
ولعلّ من المعروف أن القلق أبلغ تأثيراً على الإنسان من الطمأنينة والفرح في ما يتحرك به الإنسان لإظهاره ،لأنه يهز عمق الكيان بما يشبه الزلزال ،وقد يؤكد هذا المعنى قوله:{لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فإن الربط على القلب يستعمل دائماً للتعبير عما يثبِّت القلب ويقوّيه ،تماماً كما يربط على الشيء المنفلت ليقر ويطمئن ،وذلك بإلهام الصبر والتسليم لأمر الله ووعده .
وعليه يكون معنى قوله:{إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أي لتبدي بأنه ولدها ،لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت لولا أن طمأنّا قلبها وسكنَّا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج{لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} المصدّقين بوعد الله سبحانه المستسلمين لقضائه وقدره .ولعل دراسة الآية توحي بأن أم موسى لم تكن قد عرفت تفاصيل ما حدث لولدها عند فرعون كما يوحي بذلك قوله تعالى:{وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ}