{فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ} في حذرٍ ويقظةٍ حتى لا ينتبه إليه أحد{قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ} الذين يتحركون من قاعدة الظلم في ما يسيطرون عليه من مقدرات الناس بالقهر والغلبة ،وما يتحركون به من أساليب العدوان على مصير الناس وإرادتهم في الحرية والحياة ،وما يريدون أن يواجهوا به موسى بالقتل على أمر لم يتعمده ،بل صدر منه على سبيل الخطأ في مجال الدفاع عن شخص مستضعف .
وقد نلاحظ في هذا الدعاء وما تقدمه ،وما يأتي بعده ،أنّ موسى كان مشدوداً بإيمانه وبكل كيانه إلى الله ،فهو يتوجه إليه في كل موقفٍ ،وفي كل لحظةٍ من لحظات الشدّة ،ليتحدث معه ،وليثيربين يديهآلامه وهمومه وتطلعاته في الحياة ،وعلاقته بالأحداث من حوله ،ما يوحي بأنه كان على درجةٍ كبيرةٍ من الروحانية النابضة بالإيمان ،بحيث لا يواجه مشكلةً إلاَّ ويكون الله هو المقصد فيها قبل كل الناس .وهذه هي ميزة الأنبياء في حياتهم قبل النبوة ،في ملكاتهم الروحية التي تجعلهم في الموقع المميز الذي يؤهلهم لاصطفاء الله لهم لرسالاته .
وهكذا لاحظنا أن موسى كان في خوفه الغريزي ووحدته يستمد القوّة من الله في شعوره الإيمانيّ بحضوره معه ،بكل قوته الإِلهية ،ولهذا فإنه يطلب منه أن ينجيه من القوم الظالمين ،الذين يملكون القوّة الغاشمة الكبيرة ،بقدرته المطلقة التي لا حدَّ لها .
ولم يكن لموسىكما يبدوأيّ هدف معين يقصده ،وقد تكون هذه السفرة هي أوّل سفر له في حياته ،لأن هدفه هو أن يهرب من قوم فرعون .