أمّا موسى( عليه السلام ) فقد تلقى الخبر من هذا الرجل بجدّية وقبل نصحه ووصيته في مغادرة المدينة ( فخرج منها خائفاً يترقب ) .
وتضرع إلى الله بإخلاص وصفاء قلب ليدفع عنه شرّ القوم و ( قال ربّ نجني من القوم الظالمين ) .
فأنا أعلم يا ربّ أنّهم ظلمة ولا يرحمون ،وقد نهضتدفاعاً عن المحرومينبوجه الظالمين ،ولم آل جهداً ووسعاً في ردع الأشرار عن الأضرار بالطيبين ،فأسألكيا ربّي العظيمأن تدفع عنّي أذاهم وشرّهم .
ثمّ قرر موسى( عليه السلام ) أن يتوجه إلى مدينة «مدين » التي كانت تقع جنوب الشام وشمال الحجاز ،وكانت بعيدة عن سيطرة مصر والفراعنة ..ولكنه شاب تربّى في نعمة ورفاه ويتجه إلى سفر لم يسبق له في عمره أن يسافر إليه ،فلا زاد ولا متاع ولا صديق ولا راحلة ولا دليل ،وكان قلقاً خائفاً على نفسه ،فلعل أصحاب فرعون سيدركونه قبل أن يصل إلى هدفه «مدين » ويأسرونه ثمّ يقتلونه ..فلا عجب أن يظل مضطرب البال !
أجل ،إن على موسى( عليه السلام ) أن يجتاز مرحلة صعبة جدّاً ،وأن يتخلص من الفخ الذي ضربه فرعون وجماعته حوله ليصطادوه ،ليستقرّ أخيراً إلى جانب المستضعفين ويشاطرهم آلامهم بأحاسيسه وعواطفه ،وأن يتهيأ لنهضة إلهية لصالحهم وضد المستكبرين .