/ت149
ثُمَّ يوضّح اللّه لنا الصورة بأسلوب أقوى وأكثر وضوحاً ،فإنَّ الكافرين لا يعيشون عمق الشعور بالقوّة ،لأنَّ قلوبهم فارغةٌ من الإيمان باللّه الذي يمنح القوّة لعباده ،فهم يُمارسونها بشكل استعراضي لا ينطلق من قاعدة ثابتة ،ما يجعلها تذوب لدى أوّل بادرة جديدة للقوّة ،فتمتلئ نفوسهم بالرُّعب وتتحوّل أفئدتهم إلى هواء .[ سنُلقي في قلوب الذين كفروا الرُّعب بما أشركوا باللّه ما لم يُنزِّل به سلطاناً] فإنَّ الشرك باللّه لا يملكون أيّة حجّةٍ عليه في خطّ العقيدة والعبادة ،لأنَّ مثل هذه الأوثان التي يعبدونها وهؤلاء الأشخاص الذين يطيعونهم في معصية اللّه ،لا تمثِّل أية حقيقة في معنى الألوهية ،ولا تملك أيّة خصوصية في مضمون الربوبية ،فإنَّها لا تملك لوجودها ضرّاً ولا نفعاً إلاَّ باللّه ،فهي من صنع أيديهم ،وبالرغم من هذا كلّه فهم يعتبرونها آلهة ،ويعبدونها من دون اللّه .هذا من جهةٍ ،ومن جهةٍ أخرى ،فإنَّ الشرك يفرّغ القلب من كلّ قوّةٍ ،ويعزله عن كلّ طمأنينةٍ ،ويبتعد به عن كلّ إحساس بالأمن ،لأنَّ اللّهوحدههو الذي يملأ عقل الإنسان وقلبه وروحه وضميره وكلّ حياته ،فيمنحه الطمأنينة الهادئة العميقة ،التي توحي إليه بأنَّه في أمان من كلّ خوف ،لأنَّ اللّه هو المهيمن على الأمر كلّه ،فلا يملك أيّ مخلوق الإضرار به إذا لم يرد اللّه له ذلك .
ولهذا كان الإنسان الفارغ قلبه من اللّه هو الذي يطوف القلق في داخله أمام أيّ طارئ من طوارئ الحيرة ،ويعيش الخوف في كيانه من خلال كلّ عنصر من عناصر الإثارة ،حتّى أنَّ الوساوس والهواجس تنفذ إليه ،بسبب العوامل السلبية التي تحيط به ،فتأكل روحه ،وتهزّ موقعه ،لأنَّه لا يجد أية قاعدة ثابتة للإحساس بالقوّة في نفسه ،ما يجعل حياته نهباً لأية حالة طارئة وأيّ شك جديد ،لتلعب به الرياح النفسية والخارجية على طريقة قول الشاعر:
إذا الريح مالتمال حيث تميل
وهذا ما يجعل الإحساس بالرُّعب أمراً طبيعياً في حياتهم بسبب الهواجس التي تطوف في خيالهم ،وينطلق الغيب الإلهي بالقدرة الخفية ،ليثير الرُّعب بقوّة من خلال هواجس جديدة وتهاويل مخيفة في تصوّراتهم للأشياء التي يُدخل فيها بعض عناصر الخوف ونوازع القلق .
دور الحالة النفسية في تثبيت المواقف:
وإنَّنا نعرف أنَّ للحالة النفسية دورها في تثبيت المواقف وتأكيدها ،لأنَّ الإنسان يتحرّك من خلال الجوّ الداخلي في نفسه ،فهو الذي يمنح الخطى توازناً ،والموقع صلابةً ،والموقف قوّة ،والإنسان صموداً ،لأنَّه لا يُحارب من موقع طاقته الجسدية المادية ،بل من موقع طاقته الروحية التي تنفذ إلى مفاصل الجسم لتمنحه قوّة من قوّتها ،وثباتاً من ثباتها ،وروحية من روحيتها .
وفي ضوء هذا ،فإنَّ الرُّعب الذي يلقيه اللّه في قلوب الذين كفروا من خلال العناصر الخارجية والإيحاءات الداخلية ،في مقابل الطمأنينة والسكينة التي ينزلها على رسوله والمؤمنين ،يمكن له أن يحرّك الهزيمة في ساحة الكافرين والنصر في مجتمع المؤمنين ،ما يفرض على المؤمنين أن يدخلوا المعركة بثقةٍ في أنفسهم من خلال الثقة باللّه الذي يملك الأمر كلّه ،فإنَّهم إذا أخذوا بأسباب النصر وانطلقوا في إرادة التحدّي ،أعطاهم اللّه أسباباً خفية تبعدهم عن روح الهزيمة وعن مواقع الفرار .وهذا ما ينبغي للعاملين في خطّ الدعوة والحركة والجهاد ملاحظته في خططهم الحركية ،في ملاحقة كلّ الوسائل الاستكبارية العاملة على إثارة أجواء التهويل والتخويف من القوى المضادّة بما يتحدّث به إعلامها عن مواقع القوّة لديها مقارناً بمواقع الضعف عندنا ،ما يوحي بأنَّ الطريق الوحيد للنجاة هو الاستسلام لأنَّه لا مجال لاختراق هذا الجدار الصلب من القوّة للفئات المستكبرة أو الكافرة ،فلا واقعية للمواجهة ولا فرص للثبات ،وذلك من أجل إلقاء الرُّعب السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي والثقافي في قلوب المؤمنين ليعيشوا الهزيمة النفسية التي تهيّئ الظروف للهزيمة الخارجية .
إنَّ المؤمنين الذين يأخذون بأسباب الإيمان ،ويخلصون للّه ،ويعرفون سنته ،ويتعرفون مواقع قدرته ووسائل لطفه ،من حيث إيحاءات العقيدة ،وواقع اللطف الإلهي بعباده ...يعرفون كيف يتمرّدون على كلّ وسائل التخويف وكلّ أجواء الرُّعب ،بالانفتاح على اللّه في مواقع غيبه ،بالإضافة إلى السير في الحياة على خطّ سننه الكونية والتاريخية ؛وبذلك يملكون التوازن في الموقف ،والثبات في الموقع ،والقوّة في ساحة الصراع ،للوقوف بصلابة في وجه هؤلاء الكافرين والمستكبرين الذين سيلقي اللّه في قلوبهم الرُّعب من خلال قوّة أوليائه ،وخفايا غيبه ،وذلك هو شأنهم في الدُّنيا عندما تواجههم قوّة الحقّ ،[ ومأواهم النَّارُ] في الآخرة جزاءً لهم على كفرهم وطغيانهم [ وبئس مثوى الظَّالمين] الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية ،وظلموا النَّاس والحياة بالعدوان .