{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} كما آتيناك القرآن{فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ} أي في شك من ذلك .
وقد اختلف المفسرون في مرجع الضمير في كلمة «من لقائه » ،فذهب كل فريق إلى رأي ،ولكن أكثر هذه الآراء لا ينسجم مع جو الآية .
واحتمل صاحب الميزان أن يرجع ضمير «لقائه » إليه تعالى ،والمراد بلقائه البعث بعناية أنه يوم يحضرون لربهم لا حجاب بينه وبينهم ،كما تقدم ،وقد عبر عنه باللقاء قبل عدة آيات في قوله:{بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [ السجدة:10] ثم عبّر عنه بما في معناه في قوله:{نَاكِسُو رُؤوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [ السجدة:12] .
فيكون المعنى: ولقد آتينا موسى الكتاب ،كما آتيناك القرآن ،فلا تكن في مريةٍ من البعث الذي ينطق به القرآن بالشك في نفس القرآن ،وقد أيّد نزول القرآن عليه( ص ) بنزول التوراة على موسى في مواضع من القرآن ،ويؤيده قوله بعد{وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ*وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} الخ .
ويمكن أن يكون المراد بلقائه الانقطاع التامّ إليه تعالى عند وحي القرآن أو بعضه ،كما في بعض الروايات ،فيكون رجوعاً إلى ما في صدر السورة من قوله:{تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [ السجدة:2] وذيل الآية أشد تأييداً لهذا الوجه من سابقه .
وقد يكون هذان الوجهان أقرب مما ذكره المفسرون ،ولكن الآية لا تزال غامضة من هذه الجهة ،في وجه ارتباط أوّل الآية بآخرها في نطاق هذه الجملة المعترضة ،لا سيما بلحاظ اختلاف أسلوب التكلم عن أسلوب الغيبة في الحديث عن الله ،مما لا يتضح لنا أمره ،فليرد علمها إلى الله سبحانه .
نعم الله على بني إسرائيل
{وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} يفتح لهم الطريق على رسالات الله التي تؤكد لهم إنسانيتهم المنفتحة على إنسانية الآخرين ،ويدلهم على آفاق الحرية الواسعة التي يتحررونمن خلالهامن سيطرة الأقوياء المستكبرين ،في داخل نفوسهم وخارجها ،ويوجههم إلى الالتزام بوحدانية الله في مواقع العبادة والعقيدة وحركة المسؤولية ،ويرفع مستواهم الفكري ،في ما يربِّي عليه نفوسهم وعقولهم من الأخذ بأسباب العلم ،والتأكيد على تحريك العقل في اكتشاف حقائق الحياة ،