{اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْألُكُمْ أَجْراً} فقد قدّموا إليكم النصح والهداية ،وعملوا بكل جهدهم في سبيل الله ،لترجعوا إليه ،من دون أن يطلبوا منكم أيّ أجر في مقابل ذلك ،فهم ليسوا من المرتزقة الذين يتوصلون إلى تحصيل المال من خلال الشعارات الجذّابة التي يرفعونها ،أو تحصيل الجاه من خلال المواقع التي يضعون أنفسهم فيها ،بل هم من الرساليين الذين عاشوا الهداية فكراً وروحاً وعملاً ،{وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} فأرادوا أن يبلغوها للناس ،ليهتدوا بها ،كما اهتدوا هم بها ،لأنهم يحبون للناس ما يحبون لأنفسهم .ولذلك فلا بد لكم من دراسة العمق الرساليّ في شخصياتهم ،والروح المخلصة في موقفهم ،والبعد عن كل منفعةٍ في طروحاتهم ،لتعرفوا أن دعوتهم دعوة حقٍ وخيرٍ وصلاح ،وليست دعوة باطلٍ وشرٍّ وفسادٍ ،لأن دعاة الحق هم الذين يغريهم الحق بالتضحية في سبيله من خلال ارتباطه بالله ،أمّا دعاة الباطل ،فإنهم لا يجدون أساساً للتضحية لأجله ،بل همهم ما يكسبونه من مالٍ أو شهوةٍ أو جاهٍ .
وهكذا أعلن لقومه القاعدة التي ترتكز عليها دعوته لهم لاتّباع الرسل ،ثم أراد أن ينقلهم إلى جوٍّ جديدٍ ،ليحدثهم عن تجربته الإيمانية الذاتية ،وعن خلفيتها الفكرية من جهة الإيمان بالله وإنكاره للشركاء المزعومين ،والهدف أن يقطع عليهم طريق الدخول في جدلٍ معه حول الخصوصيات التي تحيط بمسألة اتِّباع الرسل ،فتتخذ المسألة بعداً جدليّاً شخصياً ،يبعد القضية عن المعنى الإيمانيّ في مضمونه الفكري ،وكأنّه يريد أن يُعلن لقومه ما أعلنه الرسل من خصوصية الإيمان أو ما أراد الرسل أن يمتدوا في بيانه ،فمنعهم القوم من ذلك .