{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ} كأنهم قد ملأت الأغلال ما بين صدورهم إلى أذقانهم ،فبقيت رؤوسهم مرفوعةً إلى السماء لا يتأتى لهم أن ينكسوها فينظروا إلى ما بين أيديهم من الطريق فيعرفوها ويميزوها عن غيرها .
وقد اختلف في تفسير الفكرة التي تتضمنها الآية ،في عدة وجوه ،ذكرها صاحب مجمع البيان:
«أحدها: أنه سبحانه إنما ذكره ضرباً للمثل ،وتقديره: مثل هؤلاء المشركين في إعراضهم عمّا تدعوهم إليه كمثل رجل غُلّت يداه إلى عنقه لا يمكنه أن يبسطهما إلى خير ،ورجل طامح برأسه لا يبصر موطىء قدميه ،عن الحسن والجبائي ،قال: ونظيره قول الأفوه الأزدي:
كيف الرشاد وقد صرنا إلى أُمَمٍ لَهُمْ عَنِ الرُّشْدِ أغلالٌ وأقْيَادُ
ونحوه كثير في كلام العرب .
وثانيها: أن المعنى: كأن هذا القرآن أغلال في أعناقهم يمنعهم عن الخضوع لاستماعه وتدبّره لثقله عليهم ،وذلك أنهم لمَّا استكبروا عنه وأنفوا من اتباعه ،وكان المستكبر رافعاً رأسه لاوياً عنقه شامخاً بأنفه لا ينظر إلى الأرض ،صاروا كأنما غلَّت أيديهم إلى أعناقهم .وإنما أضاف ذلك إلى نفسه لأن عند تلاوته القرآن عليهم ودعوته إيّاهم صاروا بهذه الصفة ،فهو مثل قوله: حتى أنسوكم ذكري ،عن أبي مسلم .
وثالثها: أن المعنيَّ بذلك ناسٌ من قريش همّوا بقتل النبي( ص ) ،فجعلت أيديهم إلى أعناقهم ،فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً ،عن ابن عباس والسدي .
ورابعها: أن المراد به وصف حالهم يوم القيامة ،فهو مثل قوله: إذ الأغلال في أعناقهم ،وإنما ذكره بلفظ الماضي للتحقيق »[ 2] .
ولعل الوجه الأخير أقرب لانسجامه مع الآية السابقة بحسب ظاهر معناها في إرادة العذاب من كلمة القول ولعدم وجود شاهد لفظيّ أو سياقيّ على الوجوه المذكورة ،والله العالم .