{إِذْ دَخَلُواْ عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ} لطبيعة دخولهم غير الطبيعيّ عليه ،فقد فاجأوه عندما كان منقطعاً إلى العبادة والابتهال إلى الله ،ولعلهم ظهروا بشكل قد لا يكون مألوفاً لديه ،أو غير ذلك مما يوجب الفزع النفسي ،كحالةٍ إنسانيّةٍ طبيعيّةٍ ،تماماً كما هي الاختلاجات العضوية الجسدية التي تتولد عن أيّة حركةٍ مثيرةٍ للإحساس ،ولذلك فلا مجال للحديث الفكريّالكلامي عن دلالة الفزع على الخوف الذي لا يناسب الأنبياء الذين لا يخافون إلا من الله ،لأن هناك فرقاً بين الخوف الذي تسقط الإرادة معه وتتحرك في اتجاه الانحراف ،وبين الخوف الذي يدفع إلى الحذر الذي تمليه عملية دفاع الإنسان عن نفسه ،{قَالُواْ لاَ تَخَفْ} فلسنا من اللصوص الذين جاءوا إليك ليعتدوا عليك أو على مالك ،كما توحي طريقتنا في الدخول ،ولكننا جئنا لأمرٍ آخر يتصل بالخلاف الدائر بيننا ،فنحن{خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} فهناك جانب يدّعي على جانب آخر فيتهمه بالعدوان عليه{فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} بعد معرفة طبيعة القضية المتنازع عليها ،من خلال المعطيات الواقعية التي تمثل العناصر الحقيقية للموضوع ،{وَلاَ تُشْطِطْ} أي لا تتبع سبيل الشطط ،وهو تجاوز الحد الذي هو كنايةٌ عن تجاوز الحق بالحكم الجائر ،{وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَآءِ الصِّرَاطِ} أي إلى الطريق السويِّ المستقيم الذي لا ميل فيه ولا انحراف .