{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ} يوم القيامة ،عندما يقفون في موقف الحساب الذي تتحرك نتائجه في اتجاه إدانتهم بالكفر ،واستحقاقهم للخلود في النار ،فيعيشون الأزمة النفسية الصعبة التي يتفجرون فيها غيظاً وغضباً ومقتاً لأنفسهم على ما كانت تواجه به الرسالات من جحود وكفران ،وما تحركت به من معاصٍ أسقطتهم في سخط الله ،وعرضتهم لنقمته ،وينطلق النداء:{لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} لأن السخط الإِلهي يعني الطرد من رحمة الله ،والسقوط في عذابه يمثّل سقوطاً يحيط بالإنسان من الداخل والخارج ،فيحرق المشاعر التي تلتهب حزناً وألماً ،ويأكل كل أحلام الإنسان وتطلعاته ،ويسحق عزته وكبرياءه ،ويحطِّم إنسانيته التي يحترم بها نفسه .إنها الهول الذي يطبق على كل كيانه بكل قوّة ،وأيّ هولٍ أعظم من مقت رب السماوات والأرض الذي خلق الإنسان ورزقه ،ما يجعل مقت الإنسان نفسه حيث يعيش فيه التمزق الداخلي ،شيئاً بسيطاً في حساب الأحاسيس والأفكار ،أمام مقت الله العظيم القادر القاهر ،في ما كان يعيشه الإنسان من تاريخه ،ويتحرك فيه الناس في حياتهم ،{إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} وتطيعون أنفسكم الأمارة بالسوء من دون حسابٍ للحقيقة ،ومن دون نظرٍ لمقام الله ،ولكل العواقب السيّئة المترتبة على ذلك .