{وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً} خشوع الموت في سكونها وبرودتها وذلَّتها ،فلا شيء يتحرك فيها ،بل هو التراب الذي تتلاعب به الرياح فيستسلم لها لتنقله من مكان إلى مكانٍ فلا يثير إلا الغبار ،{فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ} فنفذ إلى أعماقها ،وتفاعل مع ترابها ،ودخل في عمق بذورها{اهْتَزَّتْ} اهتزاز الحركة الحيّة عندما دبت الحياة في داخلها{وَرَبَتْ} فارتفعت بنباتها في خضرته واحمراره واصفراره وغصونه وثماره ،وبرزت في عزتها المتمثلة بالخضرة الطافرة ،والصورة الساحرة ،والنتاج الشهيّ الذي ينطلق العطاء فيه كأسخى ما يكون العطاء ،فماذا يوحي ذلك كله للإنسان الواعي المفكر ؟هل يكتفي بالمراقبة الجامدة للظاهرة الطبيعية أم يستغرق في الجانب الجمالي منها ،أم ينتقل من هذه الصورة المادية ،إلى الإيحاء المعنوي الذي يحمله عن المعاد ،حيث تصبح صورة حياة الأرض بعد الموت ،بقدرة الله ،دليلاً على الصورة الأخرى التي يريد الله للناس أن يتمثلوها ،وهي صورة حياة الإنسان بعد الموت في اليوم الآخر ،لينتهي إلى هذه النتيجة:{إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فإذا كان الله قادراً على إحياء الأرض بعد الموت ،فكيف لا يكون قادراً على إحياء الإنسان بعد موته ،وهو الذي لا يعصى على قدرته المطلقة ؟!