وينطلق الصوت الرسالي وديعاً صريحاً واثقاً بنفسه ،من خلال ثقته بربّه ،مطمئناً إلى موقفه ،مصرّاً على دعوته ،لأن الرسل لا يتراجعون ،ولا ييأسون ،بل يتابعون التحرك ،لأنهم يستشرفون المستقبل ،إذا كان المعارضون يفكرون بالماضي ويختنقون في زوايا الحاضر ،ولا يبصرون إلاّ مواقع أقدامهم .
{قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} لا أختلف عنكم في الشكل والنوع والبلد ،فأين هي الحواجز التي تحول بيني وبينكم ،لتمنعكم من سماع كلامي ،ومن فهم دعوتي ومن اللقاء بي .إن كلامكم يوحي بأني من جنسٍ وأنتم من جنس آخر ،وأن لكم خصائص تختلف عن خصائصي ،والواقع أنه ليس هناك فرق بيني وبينكم سوى أنه{يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فقد تعمّق إحساسي بالوحي وبالمضمون التوحيدي للعقيدة الذي عشته فيَّ العمق الوجداني ،بكل روحي وعقلي وكياني ،ورأيته بكل وضوح الحقيقة ،فلا شك هناك ولا ريب ولا التباس ،فتعالوا إليَّ فإني أحب أن أرى إشراقة الحق في عيونكم مهما بذلت في ذلك من جهدٍ ،فأنا لا أدعوكم إلى نفسي لأكون ملكاً عليكم ،أو لأحصل على أموالكم ،أو على أيّ امتيازٍ ،بل إني أدعوكم إلى الله الذي لا إله إلا هو ،فهو الربّ وهو الخالق ،وهو الحق{فَاسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ} وتحرّكوا في خط التوحيد والعدل في اتّجاه الاستقامة ،لتلتقوا به ،وتصلوا إليه ،وتنفتحوا عليه ،فذلك هو سبيل النجاح والنجاة ،{وَاسْتَغْفِرُوهُ} من كل الذنوب التي صدرت عنكم نتيجة ما اتخذتموه من مواقف في خط الباطل أو تتخذونهالآنمن موقفٍ مضادّ للحق ،تسيئون به لله سبحانه ،{وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} الذين يشركون بعبادة الله غيره .