{الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} والظاهر أن المراد بها الإنفاق العام الذي يجسد روحية العطاء ،وهي روحية لا يعيشها هؤلاء الوثنيون الذين يلتصقون بالحجارة ،ويستغرقون في عبادتها ،حتى تتحول مشاعرهم إلى مشاعر متحجّرةٍ لا تنبض بالخير ،ولا تتحسس آلام الآخرين ،بل تواجهها كما يواجه الحجر الجامد أيّ إحساس .وليس المراد بالزكاة بمعنى الصدقة الواجبة التي شرّعها الله سبحانه ،لأنها من الآيات المكية وقد شرّعت الزكاة في المدينة .
وقد حاول البعض أن يستدل بهذه الآية على تكليف الكفار بالفروع كما هم مكلّفون بالأصول ،وذلك لأنَّ الله أنذر المشركين بالويل لأنهم لا يؤتون الزكاة ،وقد ظهر مما ذكرناه أن الزكاة الواجبة ليست مضمون الآية ليصح الاستدلال بها على ذلك ،مع ملاحظة أن قصد الزكاة لا يكون دليلاً على تكليف المشركين بالفروع ،لو كان المراد بالزكاة الصدقة الواجبة ،لأن الآية قد تكون واردةً في التركيز على ما قد يفرضه الشرك من عدم قيام المشركين بالواجبات ذات الطابع الإنساني والروحي التي تنطلق من الإيمان الذي إذا انفتح فيه الإنسان على الله ،فإنه ينفتح على كل عناصر الخير التي تتفجر من قلبه كالينبوع ،وتجري في روحه وحياته كالنهر الجاري .
وربما احتمل البعض أن يكون المراد بالزكاة ،تزكية النفس وتطهيرها من الرذائل والذنوب ،وتنمية المعاني الروحية في داخلها ..ولكن هذا الاحتمال لا يتناسب مع كلمة{يُؤْتُونَ} لأن الإيتاء يحمل معنى الإعطاء المتعلق بالآخرين ،والله العالم .
موقف الكافرين والمؤمنين في الآخرة
{وَهُمْ بِالآخرةِ هُمْ كَافِرُونَ} لأنهم لا يعتقدون بوجود حياةٍ أخرى ،فقد كانوا يستغربون ويستبعدون إحياء الناس بعد الموت ،لكونه أمراً غير مألوفٍ لهم بالقياس إلى تجربتهم الحسِّية التي يعتبرونها أساساً لتكوين قناعاتهم الفكرية .وإذا كانت هذه حال المشركين في ما ينتظرهم من ويلٍ يهدّدهم به الله ،فإن للمؤمنين العاملين بالصالحات شأناً آخر .