{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرةِ} بحيث تتحرك أعماله في الساحات التي يحبّ الله للإنسان أن يتحرك فيها ،وهي الأعمال الصالحة يبذرها الإنسان في الحياة كلها ،لتكون نتيجتها رضوان الله ونعيمه في الآخرة ،{نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} فنضاعف له النتائج المترتبة على ذلك من ثواب الله كما جاء في بعض الآيات:{مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [ الأنعام:160] وقوله تعالى:{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ} [ البقرة:261] .
{وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا} وهو الزرع الذي يغطِّي حاجات الدنيا من دون أن يوصله بأيِّ رابطٍ أخرويّ ،ولا يتصل بالقيم الروحية المنفتحة على الآخرة ،ولكن مدى أعماله في اللَّذات والشهوات والأطماع مما تكون نتيجته محصورةً في الجانب المادي في الدنيا ،{نُؤْتِهِ مِنْهَا} فينال ما يريده من ذلك ،لأن الله قد جعل للمسائل المادية مسبباتها في صعيد العمل الإنساني ،{وَمَا لَهُ فِي الآخرةِ مِن نَّصِيبٍ} لأنه لم يهتم في حياته العامة والخاصة بالآخرة ،ولم يلتفت إلى رضوان الله في حركة أعماله ،لذا فإنه لا يستحق من نعيم الآخرة شيئاً ،لأن الله جعل الآخرة في نعيمها للأتقياء الذين عملوا لله ولما يحبه من القيم الروحية التي تتصل بأجوائها .
وهكذا نجد أن المسألة ،أوّلاً وأخيراً ،تعود إلى الله تعالى ،وبالتالي على الإنسان أن يأخذ بالخط الإلهي في الشريعة ،ويرجع إليه في شؤون الحياة ،ويتطلع إلى رضوانه في كل شيء ،لأنهوحدهالرب الذي يملك كل شؤون عباده المادية والمعنوية ،لذا فإن الانحراف عن خطّه إلى خطٍ آخر والاعتماد على غيره ،يحتاج من أصحابه إلى ما يفسره ،فكيف يدافع أصحاب هذا الموقف عن موقفهم ومن هُم هؤلاء الذين يعتمدون عليهم ،وما يملكون من قوّة الربوبية ،ومن سرّ الألوهية ،ليشرّعوا لهم بعيداً عن الله ،ومن أين جاءتهم هذه الميزة العظيمة ؟أم أن القضية عبارة عن وهم كبيرٍ ،خضعوا له في تصوراتهم المعقّدة التي لا تنطلق من حقيقة المعرفة والفكر النيّر ؟؟!