وهذه من جديد قصة موسى( ع ) مع فرعون وقومه ،ولكنها تتميز ببعض الملامح التي توضحجيّداًطريقة فرعون وأمثاله من الطغاة في التفكير ،وفي تقييم أنفسهم وتقييم الآخرين ،وكيف يقومون باستجداء الثقة ممن حولهم عندما يفقدون الثقة بأنفسهم ،وذلك بتأكيد القيم السائدة في مجتمعهم لجهة تقييم الناس طبقياً بالقياس إلى السلّم الطبقي الذي يتميز به أفراد المجتمع .
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَآ} التي تصدم كل ما ألفوه في حياتهم ،ليتطلعوا إلى الإنسان النبي الخارق للعادة في قدرته التي لا يمكن أن تكون قدرة بشرٍ ،لتتحرك الرسالة في هذا الجو{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلأهِ} هؤلاء الذين ابتعدوا عن صفاء الرؤية لله ،وعن طهارة الروح التي تلامس الأَشياء الطاهرة في احترام الإنسان في إِنسانيته ،وفي الانفتاح على نقاء الحياة في الفكر والروح والشعور والحركة ..فانطلقوا يبحثون عن المجد الذي يرتفع فوق جماجم المستضعفين ،وعن اللذة التي يعتصرونها من آلام المحرومين ،وعن الحركة اللاهية العابثة المتنوعة التي ينطلقون بها بتجميد طاقات الآخرين تأكيداً لوجودهم وتأصيلاً لحركتهم الذاتية .
..وهكذا جاءهم موسى ليصدم ذلك كله ،وليفتح آفاقهم على نورٍ جديد{فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فقد جئت لأرفعكم من وحول الأرض إلى ينابيع النور المنهمر من السماء ..لتفكروا في الواقع بحجم الرسالة التي ينفتح الله بها على عباده ،ليرحمهم بروحيتها ،وليفتح قلوبهم على آفاقها ،وليجعلهم يفكرون في الآخرين بعد أن كانوا يفكرون بأنانية الذات ،وليحرّك طاقاتهم في سبيل إسعاد الناس في حياتهم بدلاً من إسعاد أنفسهم المختنقة بشهواتهم ،فتعالوا إليّ ،لتستمعوا إلى آياته ،ولتعيشوا العمق الروحيّ لمعانيها ،والامتداد الفسيح لمواقعها ،والانفتاح الرحب في آفاقها ،لتعود إليكم إنسانيتكم التي فقدتموها ،وروحيتكم التي ضيعتموها ..فماذا كان ردّهم على ذلك كله ؟وما الأجواء التي كانت تسيطر عليهم ؟لا شيء إلا السخرية التي تمتزج بها الضحكات اللاهية العابثة ..