{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ} التي أقدره الله عليها من المعجزات الخارقة{قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ} في ما يتضمنه الإنجيل من التعاليم التي تمنحكم الذهنية الروحية والعملية ،ومقدرة التوازن في الحياة بحيث تملكونمعهاوضوح الرؤية للأشياء من حولكم ،وللموقف الذي ينبغي لكم أن تأخذوه في علاقتكم بها ،فتضعون الأشياء في مواضعها في الكلمة والموقف والمنهج .
{وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} من قضايا العقيدة ،ومن أحداث الحياة ،مما تحتاجون فيه إلى القاعدة الثابتة القوية التي تكون أساساً للتفكير ،ومنهجاً للحركة ،لأن مشكلة كثيرٍ من الناس عندما يختلفون ،هي افتقارهم إلى اللغة المشتركة في دائرة الفكر ،التي يتفاهمون بها ،ويلتقون عليها ،وكل واحدٍ منهم يتحدث بطريقةٍ لا يفهمها الآخر ،نتيجة المؤثرات الذاتية التي لا يملكونمعهاحكماً يحكم بينهم ،في الحيثيات الفكرية ،أو في القوّة المهيمنة التي يخضع لها الجميع .
{فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} فإن التقوى تمثل الخط المتوازن الذي يشعر الإنسان معه بالثبات في قضية الحركة والمصير ،لأنه يلتقي بالله في أوامره ونواهيه التي إذا انطلق الإِنسان معها في دائرة الالتزام الواعي فإنه يصل إلى الهدى الذي لا ضلال معه ،وإلى الأمن الذي لا خوف معه ،كما أن طاعة النبيّ هي العنوان الكبير لطاعة الله ،وللمضمون الواسع للتقوى ،لأن من أطاع الرسول فقد أطاع الله ،لأنه لا يؤدّي عن ذاته في ما يبلِّغه الناس ،بل يؤدي عن الله في ذلك كله .