/م57
المفردات:
البينات: المعجزات ،كالإنجيل و شفاء المرضى .
الحكمة: الشرائع المحكمة التي لا يستطاع نقضها ولا إبطالها ،أو بكل ما يؤدي إلى الإحسان .
تختلفون فيه: من الأمور الدينية .
التفسير:
63-{ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون} .
ولما جاء عيسى رسولا إلى قومه ومعه الإنجيل والمعجزات الواضحات ،مثل: شفاء المرضى ،وإحياء الموتى ،وإخبار قومه لما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم وغير ذلك ،قال لقومه: قد جئتكم بالحكمة ،أي بالتشريع المناسب لكم ،وما تقتضيه الحكمة الإلهية من الأوامر والنواهي .
{ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ...} أي: من أمور الدين لا من أمور الدنيا ،فإن الرسل أرسلهم الله تعالى ليبينوا للناس شئون دينهم لا شئون دنياهم .
قال الطبري: يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية .اه .
كما قال صلى الله عليه وسلم: ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ،وأنا أعلم بأمور دينكم )16 .
فقد رأى صلى الله عليه وسلم قوما يؤبرون النخل ،أي يلقحون طلع النخلة الأنثى بطلع النخلة الذكر ،فقال: ( لو تركوه لصلح ) فتركوه فشاص ،أي: جف ولم ينجب تمرا ،فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ،فقال: ( إذا أمرتكم بشيء من أمر الدين فاتبعوه ،وإذا أمرتكم بشيء من أمر الدنيا فأنتم أعلم بشئون دنياكم )17 .
فالأنبياء لم يبعثوا لبيان طرق الفلاحة والتجارة وغيرها من شئون الدنيا ،وإنما بعثوا لبيان شرائع الله وأحكامه ،وبيان الحلال والحرام ،والآداب والعبادات والمعاملات .
لذلك قال عيسى:{ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ...}
وقيل: المراد أنه يبين لهم بعض الذي اختلفوا فيه كطوائف مختلفة ،ولا يبين الكل حفاظا على حياته ،وعلى تحصيل قسط من القبول عندهم ،إتباعا للحكمة ،ورغبة في بيان جزء مقبول عندهم لا بيان كل مرفوض ،ومن حكم الدعاة قولهم: ( ليس كل ما يعلم يقال ،ولا كل ما يقال جاء وقته ،ولا كل ما جاء وقته حضر أهله ) .
وقريب من هذا المعنى ما ورد في الصحيح عن أحد الصحابة قوله: كان صلى الله عليه وسلم يتخوننا18 بالموعظة مخافة السآمة علينا والملل19 .
وفي آخر الآية:{فاتقوا الله وأطيعون} .
أي: راقبوا ربكم وأخلصوا له ،وأطيعوني كرسول مبلغ عن الله الهدى والتعاليم والشرائع والتكاليف .