إثبات النبوة وظاهرة الوحي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ( 1 ) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ( 2 ) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ( 3 ) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ( 4 ) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ( 5 ) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ( 6 ) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ( 7 ) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ( 8 ) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ( 9 ) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ( 10 ) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ( 11 ) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ( 12 ) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ( 13 ) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( 14 ) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ( 15 ) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ( 16 ) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ( 17 ) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ( 18 )}
/م1
المفردات:
هوى: سقط وغرب ،أو نزل .
ما ضلّ: ما حاد عن الطريق المستقيم .
صاحبكم: محمد صلى الله عليه وسلم .
وما غوى: ما اعتقد باطلا ،والخطاب في هذا لقريش .
وما ينطق عن الهوى: ما يتكلم بالباطل .
التفسير:
1 ، 2 ، 3 ، 4-{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} .
يقسم الله تعالى بالنجم الذي يُهتدى به في ظلمات البر والبحر .
وللنجوم فوائد ثلاث:
( أ ) زينة للسماء .
( ب ) رجوم للشياطين .
( ت ) هداية للسائرين .
والنجوم عالم كبير متحرك ،له مسارات منتظمة لا تصطدم ببعضها ،بل تسير بحكمة الله وقدرته الذي يمسك بنظام هذا الكون .
قال تعالى:{فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .( الواقعة: 75-80 )
يقسم الله بالنجوم عند إدبارها آخر الليل ،أو بالنجم الذي يهوي شهابا ثاقبا فيقتل الشياطين أو يخبلها .
وكانت الشياطين ترصّ بعضها فوق بعض ،حتى يكون آخر شيطان يستطيع أن يتسمَّع إلى كلام الملائكة ،فيسترق السمع ،ويخبر به الكهَّان ،فيكذب الكاهن مع هذا الأمر مائة كذبة ،فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم شُدَّت الحراسة على السماء ،فمن حاول استماع الغيب أصابه شهاب ثاقب ( نجم يهوى ) فيقتله أو يخبله ،فلما أخبرت الجنّ رئيسها بذلك ،قال لهم: انطلقوا في الأرض فانظروا ما حدث فيها ،فانطلقت طائفة إلى مكة ،فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ببطن نخلة يقرأ القرآن ،وقد وردت هذه المعاني في صدر سورة الجن ،وفي حديث نبوي شريف بالجامع الصحيح للإمام البخاري .
وفي أول سورة الجن يقول تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} .( الجن: 1-2 ) .
وفي الآيتين ( 8-9 ) من سورة الجن يقول الله تعالى:{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} .( الجن: 8-9 )
عود إلى التفسير
أقسم الله تعالى بالنجم الذي يهوى شهابا ثاقبا ،وسهما مصيبا يقتل الجنّي أو يخبله ،أو أقسم بالنجوم عند إدبارها في آخر الليل ،أو أقسم بنجم الشعرى ،وكان بعض العرب يعبده ،وكان قدماء المصريين يوقنون فيضان النيل ،بعبور الشّعرى بالفلك الأعلى ،ويرصدونه من أجل ذلك ،ويرقبون حركاته ،وللشّعرى في شأن أساطير الفرس وأساطير العرب على السواء .
وقيل: أقسم الله بالثّريا ،وقيل: أقسم بجنس النجم الذي له هذه الصفات الجليلة ،والحركة المنتظمة .
{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} .ما بعُد محمد صلى الله عليه وسلم عن الحقّ ،وما غاب عن الهدى .
{وما غوى}: وما خاب ولا انخرط في سلك الجهال الضالين ،بل هو راشد مهتد ،يحمل النّور والهدى ،كما يحمل النجم الضوء للسّارين ،وإن جبريل لينزل عليه في سرعة النجم إذا هوى .
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}: إن كلامه وحديثه وأقواله لا تصدر عن هوى وغرض .
{إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} .
إن ما ينطق به محمد صلى الله عليه وسلم هو وحي السماء ،هو القرآن الكريم الذي ينقله جبريل عن الله عز وجل ،ثم يتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل بواسطة الوحي .
وقد قال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه ،حيث كان يرغب في كتابة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم:"اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق ".