إرسال نوح عليه السلام إلى قومه
بسم الله الرحمان الرحيم
{إنّا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم 1 قال يا قوم إني لكم نذير مبين 2 أن اعبدوا الله واتّقوه وأطيعون 3 يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخّركم إلى أجل مسمّى إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون 4}
المفردات:
إلى قومه: هم سكان جزيرة العرب ومن قرب منهم .
أن أنذر: بأن أنذر ،أو بإنذار .
عذاب أليم: مؤلم في الدنيا بالطوفان ،ومؤلم في الآخرة بنار جهنم .
التفسير:
1- إنّا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم .
رسالة الرسل
كان آدم عليه السلام الأب الأوّل للبشرية ،ولعل رسالته اقتصرت على أبنائه وأحفاده ،وكان بين آدم ونوح عشرة قرون ،انحرفت فيها البشرية ،وعبدت أوثانا من دون الله تعالى ،فأرسل الله نوحا إلى قومه .
وهو أوّل رسول أرسل إلى قومه ،وأطول الرّسل عمرا ،وربما كان أطول البشر عمرا ،لقد جاءت إليه الرسالة وعمره أربعون عاما ،ثم مكث في قومه رسولا ألف سنة إلا خمسين عاما ،ثم جاء الطوفان فأغرق الكافرين ،ونجّى الله المؤمنين ،ثم مكث نوح قومه ستّين عاما بعد الطوفان .
لقد طالت رسالة نوح ،وطال تكذيب قومه له ،مع تذرّع نوح بالصبر والحلم ،والجدال الواضح المبين ،حتى تحدّاه قومه قائلين: يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين .( هود: 32 ) .
الحكمة من إرسال الرسل
خلق الله الإنسان من تراب ،ثم نفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة ،ومنحه العقل والحرية والاختيار ،وجعله أهلا للطاعة وأهلا للمعصية ،ثم أرسل الله له الرسل ،وأنزل له الكتب ،لإرشاده إلى الحق والخير والإيمان ،وتحذيره من الكفر والطغيان ،وقد جاهد الرّسل جهادا مستمرّا من عهد نوح الأب الثاني للبشرية إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين ،جاهد الرّسل وتحمّلوا التكذيب والتعذيب والقتل من أجل الدعوة إلى الإيمان ،وبيان حجة الله تعالى على عباده ،وحتى يكون للجنة أهلها عن عدالة وبيّنة ،وللنار أهلها عن عدالة وبيّنة .
قال تعالى: رسلا مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ( النساء: 165 ) .
أرسل الله الرّسل دعاة إلى الإيمان ،وهداة للبشرية ،ومعلّمين للحق والخير ،ولا يتقاضون أجرا على تبليغ الرسالة ،وإنما ينفّذون تعاليم السماء ،ويبلّغون الوحي ،وينصحون الناس ،ويذكّرون الخلق بقدرة الخالق وفضله ،ونعمائه وعدالته ،ويبيّنون للناس أن هناك بعثا ونشرا وحسابا وجزاء وجنة ونارا ،فمن أطاع فله الجنة ،ومن عصى الله وكذّب رسله فله النار .
قصة نوح في سورة نوح
وسورة نوح تحمل قصته ،ودعوته ،وأدلته على هذا الإيمان ،وجهاده الطويل ليلا ونهارا ،وسرّا وجهارا ،ثم تكذيب قومه له ،وغرق الكافرين منهم ،ونجاة المؤمنين ،وظلّ هذا ديدن البشرية وعقوبة تكذيبها ،مثل قوم عاد ،وقوم ثمود ،وفرعون ومثله ،وغيرهم .
قال تعالى: وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا .( الإسراء: 17 ) .
لقد استمرت رسالة الرسل في تاريخ البشرية الطويل ،وهي من رحمات الله وأفضاله ،أن يرسل الرسل ،وأن ينزل الكتب ،وأن يدعو الناس إلى الإيمان ،وأن يحذّرهم من الكفر والعصيان ،وأن يمهل العصاة لعلهم أن يتوبوا ،فإذا تابوا قبل توبتهم .
قال تعالى: إن الله التوابين ويحب المتطهرين .( البقرة: 222 ) .
عود إلى التفسير
إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم .
الله تعالى هو الذي يتحدث عن فضله بعباده ،فيقول: إنا أرسلنا نوحا رسولا من عند الله إلى قومه في جزيرة العرب وما حولها ،ليقول لقومه: إنّي أحذّركم من عبادة الأوثان ،موضّح لكم أن العبادة لا تكون إلا لله الواحد الأحد ،الخالق الرزّاق ،المتّصف بكل كمال ،المنزّه عن كل نقص .