{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} فليست هناك حياةٌ غيرها ،وليست هناك قوّةٌ غيبيّةٌ تحرّك وجودنا بطريقةٍ خفيةٍ لتكون لها قدرةٌ على إبداع الحياة من جديدٍ ..فنحن نعيش في هذه الحياة الدنيا ،فنموت كبشر في جيلٍ ماضٍ ،ونحيا في جيلٍ جديدٍ ،ضمن حركة الحياة والموت التي تحكم الوجود الإنساني بشكلٍ طبيعي ..وربما كانت كلمتا{نَمُوتُ وَنَحْيَا} معبِّرتين عن النوع الإنساني بأكمله ،ويكون تقديم الموت على الحياة ،تعبيراً فنياً نلحظ فيه التناسب في موسيقى الكلمات .
{وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ} وهو الزمن الذي يترك في استمراره تأثيراً على عناصر الحياة والموجودات ،فيُبلي كل جديد ،ويهلك كل وجود ..فهو الذي يعطّل دور كل عضوٍ من أعضائنا ،ويفني الأجهزة المودعة في خلايانا .فنموت عندما تستنفد الحياة طاقتها على البقاء ،فلا غيب ،ولا خفاء ،بل هو الحسّ الذي يتحرك أمام الأعين في حركة الوجود والفناء ..ولكنّ القرآن يطرح موقفه من هذه المسألة ،من خلال السؤال عن مصدر هذه الأحكام ..فهل هناك دليلٌ على نفي الحياة الأخرى ،يحكم به العقل ،أو تقود إليه التجربة ؟!وكيف يفسّرون القوّة الخفية التي تمثل مصدر الحياة ؟وإذا كانوا يفسرون نهاية الحياة ،بتأثير الزمن على الأجسام الحية ،فكيف يفسرون بداية حياة الأشياء الجامدة ؟وكيف يفسرون تحوّل الغذاء إلى دمٍ ،والدم إلى نطفةٍ ،وتحوُّل النطفة ،في تطوّرٍ نوعيٍّ متقنٍ ،إلى إنسان ؟إلى غير ذلك من الأمور التي ترصد الظواهر الحياتية وتلاحظ أن هناك شيئاً غير المادة مما لا يملكون علمه بالدقّة والعمق والشمول ،{وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} فليس لديهم إلا النفي الذي يحتاج إلى دليل ،كما يحتاج الإثبات إلى دليل ،{إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} انطلاقاً من الحدس المبنيّ على الاحتمال ،والذي يتحرك في أجواء الخيال ،وفي مجالات الاستبعاد ،من دون علم .