{ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا} أي ما الحياة أو الحال غير حياتنا هذه التي نحن فيها{ نموت} أي بالموت البدني الطبيعي ،{ ونحيا} أي الحياة الجسمانية الحسية ،لا موت ولا حياة غيرهما{ وما يهلكنا إلا الدهر} أي مرّ الليالي والأيام وطول العمر{ وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} أي:وما يقولون ذلك عن علم ولكن عن ظن وتخمين .و ( ذلك ) إشارة إلى نسبة الحوادث إلى الدهر ،أو إلى إنكار البعث ،أو إلى كليهما .قال الزمخشري:كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس ،وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله .وكانوا يضيفون كل حادثة إلى الدهر والزمان .وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان .ومنه قوله عليه الصلاة والسلام{[1]}:( لا تسبوا الدهر ،فإن الله هو الدهر ) أي فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر .انتهى .
وقال الخطابيّ ،معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي تنسبونها إلى الدهر .فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور ،عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها .وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور .وكان عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا ( بؤسا للدهر ) و( تبا للدهر ).انتهى .
قال ابن كثير:وقد غلط ابن حزم ،ومن نحا نحوه من الظاهرية ،في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى ،أخذا من هذا الحديث .انتهى .
تنبيه:
في هذه الآية ردّ على الدهرية ،وهم المعطلة ،بأن متمسكهم ظن وتخمين .لم يشم رائحة اليقين .وما هذا سبيله ،فباب القبول في وجهه مسدود{[2]}{ إن الظن لا يغني من الحق شيئا} .
قال الشهرستانيّ في معطلة العرب:فصنف منهم أنكروا الخالق والبعث والإعادة ،وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني .وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد{[3]}{ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا} إشارة إلى الطبائع المحسوسة في العالم السفليّ .وقصر الحياة والموت على تركبها وتحللها .فالجامع هو الطبع ،والمهلك هو الدهر{ وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} فاستدل عليهم بضرورات فكرية ،وآيات فطرية ،في كم آية وكم سورة فقال تعالى{[4]}{ أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين}{[5]}:{ أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض} وقال{[6]}:{ أو لم يروا إلى ما خلق الله} وقال{[7]}:{ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} وقال{[8]}:{ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} فثبتت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق .فإنه قادر على الكمال ،إبداء وإعادة .انتهى .
ولي في الرد على الدهريين ،وهم الماديون والطبيعيون ،كتاب وَسَمْتهُ ( دلائل التوحيد ) فليرجع إليه المريد ،فليس وراءه ،بحمده تعالى ،من مزيد .