{هَآأَنتُمْ هَؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} من أموالكم التي أعطاكم الله إياها ،ولكنكم تبخلون عليه بها ،{فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} لأنه لا يعيش القيمة الفكرية الإيمانية لمعنى المال والملكية ،فهو عطيّة الله لعباده ،لأن كل مصادره المتحركة أو الثابتة مخلوقةٌ له ومتحركةٌ بأمره وخاضعة لتدبيره ،أمّا الملكية ،فهي وظيفةٌ شرعيةٌ يحرك الإنسان المال في دائرتها في ما أوكل الله إليه إنفاقه ،من شؤون النفس ،أو من شؤون الآخرين ،ووعده الأجر الكبير إذا قام بما يجب عليه أو يستحب له من ذلك ،مما فيه رضى الله ،ما يجعل من العطاء عبادةً لله ،كبقية العبادات الأخرى التي جعل الله فيها الثواب من رحمته ،كما يجعل من الامتناع عنه نوعاً من الخسارة التي يفقد فيها الإنسان عطاء الله في الدنيا والآخرة ،مما يحتاجه في مسألة المصير .{وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} فيمنع الخير عنها ،بالامتناع عما يؤدّي إليه ،وإذا كان الله يطلب منكم الإنفاق في سبيله ،فليس لحاجةٍ منه إليكم ،ولكن ليفتح حياتكم على معاني الخير في العطاء ،لتحصلوا على نتائج العطاء الخيّرة على كل صعيد .
{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ} عن كل مخلوقاته ،في كل شيء ،لأنه المالك لكل الوجود ،والمتصرف في كل مفرداته الصغيرة والكبيرة ،وكيف يحتاج لما خلقه ومن خلقه ،وهو القادر أن يغنيه ويبدع غيره كما أبدعه ،لأن القدرة لا تقف عند حدودٍ معيّنةٍ ؟{وَأَنتُمُ الْفُقَرَآء} إليه ،لأنكم تمثلون الفقر المطلق أمامه ،فلا يمكن لأيّ إنسان الاستغناء عنه في شيء ؛في الهواء الذي يتنفسه ،وفي الماء الذي يشربه ،وفي الغذاء الذي يتغذى به ،وفي حركة الحياة في عروقه ،وفي كل شيء ،فأين الغنى في ذلك ،وأين الغنى في غيره ؟ما يعني أن مضمون كلمة الإنسان هو الفقر المطلق إلى الله في كل شيء .
وفي ضوء هذا ،لا بد لكم من الانفتاح على الله انفتاح الإنسان الذي يحتاج إليه في كل وجوده ،لأن انفتاحكم ذاك هو الضمانة لاستمرار دوركم في الحياة ،فإنكم لستم أوّل الناس الذين يكلِّفهم الله بتكاليفه ،ويوكل إليهم أمر القيام بإدارة شؤون الحياة في مواقع رضاه ،ولستم آخر الناس ،فإن سرتم على درب الله ،أبقاكم على دوركم في الحياة ،{وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} من الشعوب الأخرى التي قد تقوم بالدور الإلهي في خطّ الإسلام بأفضل مما تقومون به ،أو بترك خط الانحراف الذي تمثّلونه الآن ،{ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم} بل يؤمنون بالله ويتّقونه ويعطون كل ما لديهم في سبيله ،من موقع المحبة والإخلاص له .
وقد روى السيوطي في الدر المنثور ،قال: «أخرج عبد الرزاق ،وعبد بن حميد ،والترمذي ،وابن جرير ،وابن أبي حاتم ،والطبراني في الأوسط ،والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) هذه الآية:{وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم} فقالوا: يا رسول الله ،من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا ؟فضرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه ،والذي نفسي بيده ،لو كان الإيمان منوطاً بالثريّا ،لتناوله رجال من فارس »