العداوة والبغضاء ثمار الخمر والميسر
ويعود الحديث إلى الخمر والميسر ،باعتبارهما من العادات الشائعة الّتي لا يخلو منها زمانٌ ولا مكانٌ في حياة كل أمةٍ في الأرض ،خلافاً للأنصاب والأزلام ،الّتي هي حالةٌ محليّةٌ خاصةٌ في زمان معين .{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ في الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} فقد أراد الشيطان أن يحقق من خلالهما العداوة والبغضاء ،في ما ينتجه الخمر من نتائج سلبيّة على مستوى العلاقات والأعمال السيئة ضد الآخرين ،فإنَّ أكثر الجرائم قد تحدث بسبب الخمر ،لأنَّ الإنسان إذا فقد وعيه وأخذ منه السكر مأخذه ،استباح لنفسه كل شيء من قتل النفوس وهتك الأعراض ونهب الأموال ،لأنَّه يفقد الميزان الَّذي يزن به الأمور من موقع الربح والخسارة ،في حسابات الدنيا والآخرة ،فيؤدي ذلك إلى مزيد من العداوة والبغضاء بينه وبين النَّاس الَّذين صنع الجريمة في حياتهم ،أمَّا الميسر ،فإنَّه يترك في نفوس الخاسرين حقداً ضد الرابحين ،لا سيّما إذا اكتشفوا أنَّ الربح لعبة فنيّة خادعة لا تخضع للأصول المتعارفة في قانون اللعب ،كما يُثير المشاكل والمنازعات على أساس التفاصيل الّتي يكثر حولها الخلاف والنزاع .
الإيمان فعل وعي والخمر يضادّه
{وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} وهناك مشكلةٌ أخرى لهاتين العادتين الضارتين ،فإنَّ الإنسان إذا سكر ابتعد عن الوعي ،وابتعد بسبب ذلك عن خط الإيمان ،وفقد الصلة بالله الّتي تحتاج إلى المزيد من الانفتاح والوعي على عظمة الله وقدرته ،لأنَّ قضيّة الإيمان هي فعل وعي ،وبذلك يفقد الإنسان الإقبال على ذكر الله في وجدانه ولسانه ،فيدفعه ذلك إلى الاستسلام للشيطان في خططه وتهاويله ،ويفقد الإقبال على الصَّلاة الّتي هي عمود الدين بما توحيه من حضورٍ دائمٍ تطوف به في عالمٍ من الروح والقدس والصفاء والسلام ،ليعيش المسؤوليّةمن خلال ذلكحباً لله واستسلاماً لألوهيته .وأمَّا الميسر ،فإنَّه يُحقق هاتين الغايتين السلبيتين الشيطانيتين ،بالاستغراق في أجواء اللعب ،والاندماج في خيالات الربح والخسارة ،فيبتعد بذلك عن التفكير في أيّة قضيةٍ أخرى ،ولا سيّما إذا كانت متعلّقة بالله .
وهكذا تكون هذه العادات مصدر ضررٍ للحياة على مستوى الدنيا والآخرة ،وفي علاقات الإنسان بالنَّاس ،وفي علاقته بالله .ولعلَّ الدراسة العلميّة الموضوعيّة للإحصاءات الخاصة بالمشاكل الكثيرة الناتجة عن الخمر والقمار ،تدلنا دلالة واضحة على الأخطار الكبيرة الّتي تُصيب الإنسان في مختلف جوانب حياته في إدمانه لهذا وذاك ،بما يحدث من الجرائم المنطلقة من تأثيرها على العقل أو الإحساس أو الحركة ،وبالتالي على سلام الإنسان مع نفسه ومع النَّاس من حوله ،وعلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي ،مما يوافق ويصدق الحقيقة القرآنيّة المتحدّثة عن الإثم الكبير الَّذي يختزن في داخله الضرر والإبطاء عن الخيرات ،وعن العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصَّلاة ،بما لا يتناسب مع النفع الجزئي الَّذي يحصل منهما .
ويطرح الله على النَّاسبعد ذلكالتساؤل في معرض الدعوة إلى رفض ذلك كلّه ،وذلك في معرض الاستفهام:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} أي فهل وعيتم هذه الأضرار الّتي تدمر دنياكم وآخرتكم ،وهل يدفعكم ذلك إلى الانتهاء عنها ،كما يفعل أيُّ عاقلٍ يبحث في الحياة عن أسباب النجاح في الدنيا والآخرة ،أو أنَّكم تظلّون في غيّكم سادرين ؟