بعد أن أمر الله تعالى باجتناب الخمر والميسر ذكر أن فيهما مفسدتين: إحداهما: دنيوية ،هي إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس .والثانية: دينية هي الصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة التي هي عماد الدين .ثم أكد بذلك بهذا الاستفهام بقوله تعالى:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} ،أي انْتَهُوا عن هذه الأشياء .
وأسمعُ بعض الناس يقولون: إن الخمر غير محرّمة ،لأنه لم يقل الله أنها حرام صراحةً بل قال: اجتنبوه .
وقولهم هذا كلام فيه الهوى والتذرّع بالتلاعب بالألفاظ لتعليل الأمور التي يحبونها ،فالقرآن ليس كتاب فقه حتى ينصّ على كل شيء بأنه حرام أو حلال ،وإنما هو قرآن كريم له أسلوب عربي فريد لا يدانيه أسلوب .وأكبر دليل على تحريم الخمر تحريما نهائياً أن الله تعالى قرن الخمر بالميسر الذي هو القمار ،وبالأزلام والأنصاب ،وقد جاء تحريم الأزلام والأنصاب صريحاً بقوله تعالى في أول هذه السورة{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة وَمَآ أَكَلَ السبع إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام ذلكم فِسْقٌ ...} الآية ولما نزلت{إِنَّمَا الخمر والميسر ...} الآية قال سيدُنا عمر: أُقرِنْتِ بالميسِر والأنصابِ والأزلام ،بعداً لكِ وسحُقا .
فإذا كانت عبادة الأصنام والذبحُ عندها تقرّباً لها حلالا ،فإن الخمر تكون حلالا ،وإذا كانت الأزلام والاستقسام بها حلالا ،فإن الخمر تكون كذلك ،وإذا كان الميسر والمقامرة حلالاً فإن الخمر كذلك تكون حلالا ..فالذين يقولون بتحليلها أناس يتّبعون أهواءهم ،ولا يخشَون الله فيما يقولون .
والأزلام: هي سهام من خشب ،وهي ثلاثة أقسام .( 1 ) قِداح الميسر وهي عشرة وأسماؤها كما يلي: الفَذّ والتوأم والرقيب والحِلْسُ والنافِس والمُسيل والمعلَّى والمَنِيح والسَّفِيح والوغد ،ولكل واحدٍ من هذه نصيبٌ إذا فاز ،وإذا خاب عليه ذلك النصيب .وأعلاها المعلَّى له سبعة أجزاء .( 2 ) والقسم الثاني: ثلاثة أزلام: مكتوب على أحدها: أمرني ربي ،وعلى الثاني نهاني ربي ،والثالث غُفل ليس عليه كتابة .( 3 ) وهذا القسم للأحكام .
وكانت العرب في الجاهلية إذا أراد أحدهم سفراً أو تجارة أو نكاحاً أو اختلفوا في نسب ،أو أمر قتيل أو تحمُّل دية مقتول أو غير ذلك من الأمور ،جاء إلى هُبَل ،أعظم صنم في الكعبة لقريش ،وقدّم مائة درهم إلى السادن ،فيخرج له القداح ويسحب واحداً منها من الكيس التي هي فيه .فإذا خرج أمرني ربي ،أمضى عمله ،وإلا تركه .
ولقد حرم الإسلام هذه الأمور لأنها تشتمل على مفاسد ،والإسلام يريد أن يبني مجتمعاً نقيا طاهرا .