{ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَآء الاوْفَى} الكامل ،لأن الله لا يضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى .
وذلك هو خطّ العدل الذي تؤكده كل الرسالات في علاقات الناس ببعضهم البعض ،وتحصر نتائج العمل على أنه يحكم السلبية أو الإيجابية في دائرة خاصة ،وهي الشخص الذي قام به ،ليواجه الناس جميعاً مواقف الحياة على هذا الأساس في الدنيا والآخرة .
حصول الإنسان على ثواب ما لم يقم به بعد مماته
تناولت بعض الأحاديث المأثورة الثواب الذي يحصل عليه الإنسان بعد مماته ،على ما لم يقم به بنفسه بشكلٍ مباشرٍ ،وذلك كما ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به أو صدقة تجري له أو ولد صالح يدعو له »[ 2] .وفي ما رواه الصدوق في الخصال عن أبي عبد الله جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال: ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقةٌ أجراها في حياته فهي تجري بعد موته ،وصدقةٌ مبثولة لا تورث ،وسنةُ هدىً يعمل بها بعده ،أو ولد صالح يدعو له[ 3] .
والظاهر أن هذه الأمور لا تمثل استثناءً من الآية ،بل هي نوعٌ من السعي الممتد بامتداد أثره ،باعتبار أن البداية كانت من الإنسان بالطريقة التي تكفل له الاستمرار في العطاء .
وقد وقع الخلاف بين العلماء في غير ذلك من الأعمال التي يقوم بها الأحياء عن الأموات ،إمَّا بطريق النيابة ،وإمّا بطريق إهداء الثواب ،فذهب الشافعي إلى عدم وصول الثواب إلى الميت استنباطاً من هذه الآية ،لأنه ليس من عمله ولا من كسبه ،ولهذا لم يندب إليه رسول الله( ص ) أمته ولا حثّهم عليه ،ولا أرشدهم إليه بنصٍ ولا إيماء ،ولم ينقل ذلك عن أحدٍ من الصحابة .
ولكن هناك روايات متفرقة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) في ما روي عنه من طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) ،دلّت على مشروعية ذلك ووصول الثواب إليهم مما لا يتسع المجال لبحثه هنا ،بل يُترك للأبحاث الفقهية التي تبيح تخصيص العام بما ثبت صحته عن رسول الله ،وقد قيل في القاعدة الأصولية: «ما من عامٍ إلا وقد خص » ،ما يجعل البحث يتجه إلى الحديث عن مدى صحة السند .