{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقَِّ} فهو دين الهدى الذي يقود الناس إلى الغايات الكبيرة التي تؤكد إنسانية الإنسان في الآفاق المشرقة من الحياة ،وهو دين الحق «الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه »{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} ،فتكون له القوة والسيطرة والامتداد ،بجهاد المجاهدين ودعوة الدعاة ،في ما يريد الله له أن يتحرك فيه من الوسائل العملية الطبيعية المؤيدة بألطاف الله وفيوضاته ،بما يكفل له الحضور الكبير المميز المنفتح على كل مواقع الدين والفكر في الحياة ،بالرغم من الظروف الصعبة القاسية التي يمكن أن تحيط به وتحاصره ،{وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} الذين وقفوا ضد دعوة التوحيد بأضاليلهم وأباطيلهم ،ثم انكفأوا وسقطوا ،وامتد الإسلام إلى كل الجزيرة العربية ،وانطلق فاتحاً داعياً إلى كثيرٍ من بقاع العالم ،وما زال يفرض نفسه على الواقع الفكري والسياسي والاجتماعي والأمني في أكثر من موقعٍ وموقعٍ .
وإذا كان الله يريد أن يتم نوره بإظهار دينه على الدين كله ،وإذا كنا نعرف أن الله لا يريد لهذا الهدف أن يتحقق بطريقة المعجزة ،بل بالوسائل القرآنية التي أكدها في كتابه ،كالدعوة والجهاد والعمل السياسي المتحرك في خط تثبيت قواعد الإسلام في الحياة ،في ساحات الصراع ،فلا بد للمسلمين من أن يتحملوا مسؤولية السعي من أجل تحقيق هذا الهدف ،بعيداً عن كل القوى المحيطة بهم في ما يمكن أن ترضى أو لا ترضى به ،لتكون المداراة والمجاملة أو الخوف أساساً للامتناع عن طرح الإسلام في مجالات الدعوة أو الحركة أو الثورة أو الدولة كعنوان للفكر وللعمل ،كما يفعله الكثيرون من محاولات الاختباء وراء بعض الأقنعة التي تحمل مدلولاً فكرياً يختلف عن المضمون الإسلامي ،كالديمقراطية والاشتراكية ونحوهما مما حفلت به الأوضاع السياسية في المرحلة المعاصرة ،حتى عادت واجهةً للسياسة الحركية ،بحيث يمكن للناس أن يتقبلوها أكثر مما يتقبلون الإسلام الذي تحول بفعل الدعاية المضادة إلى عنوانٍ قديمٍ من عناوين التاريخ التي لا تصلح لمعالجة شؤون الحاضر .
إنّ المسألة عند هؤلاء هي أنهم يرفضون السير في الاتجاه الإسلامي الصريح ،لأنّ الكافرين يكرهون ذلك ،فلا يمنحونهم رضاهم ،ولا يؤكدون لهم مواقعهم في ذلك كله .