لقد تحدثت السورة في بدايتها عن المقت الإلهي الذي ينال المؤمنين الذين يقولون ما لا يفعلون ،باعتبار ذلك مظهراً من مظاهر البعد عن الإيمان في مضمونه الحي الفاعل .
ولمّا كان الإنسان بطبيعته خاضعاً في حياته العملية في ما يفعله وما لا يفعله لحسابات الربح والخسارة ،ولما كان الغالب عليه التفكير بالجانب المادي الدنيوي في هذا المجال ..جاءت هذه الآيات لتؤكد لهم الربح الكبير في اتباع خط الإيمان والجهاد ،ولتثير أمامهم الربح الأخروي الذي هو الربح الحقيقي ،لأنه الربح الدائم الذي يمثل مسألة المصير النهائي في مسألة السعادة الخالدة ،مع عدم إغفال النتائج الدنيوية المحببة إليهم .وبذلك نفهم أن الإسلام لم يبتعد عن مراعاة الجانب النفسي من حب الذات الذي قد يكون غريزة إنسانيةً في ما يستتبعه من حب المال ونحوه ،بل عمل على أن يوسِّع المدى الذي تتحرك فيه هذه الغريزة على مستوى الآخرة بالإضافة إلى مستوى الدنيا .
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} الذين يفرض عليكم الإيمان أن تنفتحوا على مواقع رحمة الله في ما تؤملونه من ألطافه وفيوضات نعمائه في رحاب جنته ،{هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} في ما تتحركون به من مشاريع وأوضاع وما تبذلونه من جهد كبير في سفركم وحضركم ،مما يمكن أن تحصلوا فيه على رضا الله الذي ينجيكم من مواقع سخطه وعذابه .