هذا تخلص إلى الغرض الذي افتتحت به السورة من قوله:{ يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} إلى قوله:{ كأنهم بنيان مرصوص}[ الصف: 2 4] .فبعد أن ضربت لهم الأمثال ،وانتقل الكلام من مجال إلى مجال ،أعيد خطابهم هنا بمثل ما خوطبوا به بقوله:{ يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}[ الصف: 2] ،أي هل أدلكم على أحب العمل إلى الله لتعملوا به كما طلبتم إذْ قلتم لو نعلم أيَّ الأعمال أحبّ إلى الله لعملنا به فجاءت السورة في أُسلوب الخطابة .
والظاهر أن الضمير المستتر في{ أدلكم} عائد إلى الله تعالى لأن ظاهر الخطاب أنه موجه من الله تعالى إلى المؤمنين .ويجوز أن يجعل الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم على تقدير قول محذوف وعلى اختلاف الاحتمال يختلف موقع قوله الآتي{ وبشر المؤمنين}[ الصف: 13] .
والاستفهام مستعمل في العَرض مجازاً لأن العارض قد يسأل المعروضَ عليه ليعلم رغبته في الأمر المعروض كما يقال: هل لك في كذا ؟أو هل لك إلى كذا ؟
والعرض هنا كناية عن التشويق إلى الأمر المعروض ،وهو دلالته إياهم على تجارة نافعة .وألفاظ الاستفهام تخرج عنه إلى معان كثيرة هي من ملازمات الاستفهام كما نبه عليه السكّاكي في « المفتاح » ،وهي غير منحصرة فيما ذكره .
وجيء بفعل{ أدلكم} لإِفادة ما يذكر بعده من الأشياء التي لا يهتدى إليها بسهولة .
وأطلق على العمل الصالح لفظُ التجارة على سبيل الاستعارة لمشابهة العمل الصالح التجارةَ في طلب النفع من ذلك العمل ومزاولته والكد فيه ،وقد تقدم في قوله تعالى:{ فما ربحت تجارتهم} في سورة[ البقرة: 16] .
ووصف التجارة بأنها تنجي من عذاب أليم ،تجريد للاستعارة لقصد الصراحة بهذه الفائدة لأهميتها وليس الإِنجاء من العذاب من شأن التجارة فهو من مناسبات المعنى الحقيقي للعمل الصالح .