{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 10 ) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( 11 ) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 12 ) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( 13 )} .
تعليق على الآية:
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم 10}،والآيات الثلاث بعدها وما فيها من تلقين ورد على زعم المستشرقين بأن الغنائم كانت هدف الجهاد .
عبارة الآيات واضحة ،ولم يورد المفسرون رواية ما في صددها .والمتبادر أنها متصلة بمطلع السورة .وفيها عود على بدء الحث على الجهاد ،وهذا يؤيد ما قلناه إن الآيات التي جاءت بعد ذلك المطلع قد جاءت على سبيل التعقيب والاستطراد والتدعيم ،ويسوغ ترجيح نزول هذه الآيات وما قبلها معا .
وأسلوب الحث والترغيب الذي جاءت عليه قوي .وقد احتوت بشارتين للمؤمنين اللذين وجه إليهم الخطاب: أولاهما أخروية وهي رضاء الله تعالى ومغفرته وجناته .وقد قدمت بالذكر ؛لأنها خير وأبقى .وثانيتهما دنيوية مما يحبونه ،وهي النصر في الجهاد الذي يدعون إليه والفتح السهل القريب الذي سوف ييسره الله لهم .
وننبه إلى أن سورة الفتح التي تأتي بعد هذه السورة في ترتيب النزول قد احتوت تنويها الله المبين الذي تمثل في صلح الحديبية .واحتوت كذلك إشارة إلى فتح قريب ومغانم كثيرة يسرها الله للمسلمين .وهذا ما كان نتيجة لوقعة خيبر التي وقعت بعد صلح الحديبية مباشرة تقريبا .وهكذا تكون البشارة الدنيوية التي احتوتها الآيات لم تلبث أن تحققت فكان ذلك في معجزات القرآن الباهرة .
وقد يكون هذا التوافق بين السورتين دليلا أو قرينة على صحة ترتيب نزول هذه السورة بين يدي نزول سورة الفتح .
ولقد كان ما احتوته هذه الآيات من بشارة دنيوية ،وما احتوته آيات أخرى من إشارة إلى الغنائم التي تدخل في يد المسلمين نتيجة للحركات الجهادية التي يقومون بها وسيلة لغمز الأغيار وقولهم: إن القرآن كان يثير في نفوس المسلمين مطامع الغنائم والفتح ليحملهم على القتال حتى لقد قال بعضهم: إن بعض الوقائع الحربية مثل وقعة خيبر لم تكن إلا وسيلة إلى ملء أيدي المسلمين بالمغانم ومكافأة لهم على الإسلام .
وننبه أولا: على أن حث المسلمين على القتال لم يقتصر في أي موضع قرآني على الإغراء بنتائجه الدنيوية ،بل كان الترغيب في ذلك يأتي على الهامش كما يظهر من هذه الآيات وآيات كثيرة أخرى منها ما مر ومنها ما سوف يأتي ،بل إن أكثر الآيات التي حثت المسلمين على الجهاد قد اقتصرت على الترغيب برضاء الله وجزائه الأخروي ،وعلى بيان ما في الجهاد من واجب عظيم وضرورة مبرمة لإعلاء كلمة الله ومقابلة العدوان ،وضمان حرية الدعوة إلى دين الله وحرية المسلمين وأمنهم .ومن دليل على صحة إيمان المؤمنين ،بل وكان الخطر والقتل والأذى والجهد هو الأكثر توقعا وورودا ،والذي نبه إليه القرآن في آيات كثيرة{[2217]} .
وثانيا: على أننا لسنا نرى شذوذا أو محلا للغمز في القرآن حتى فيما يحتويه من بشرى الفتح والغنائم والترغيب فيهما ؛لأن ذلك متسق كل الاتساق مع طبيعة الحياة ،وهذا هو أسلوب القرآن عامة في معالجة الأمور كما نبهنا على ذلك في مناسبات عديدة سابقة ونوهنا بما في هذا من حكمة سامية ترشح الشريعة الإسلامية للخلود .