{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} وهذا هو النموذج الآخر للذين يستمعون إلى الرسالة والرسول ،فيواجهون الموقف بمسؤوليةٍ عندما يحركون عقولهم لتفكر ،وأسماعهم لتستوعب ،وخطواتهم لتتوازن وتستقيم ،فينفتحون على عظمة الله ،من خلال ما يسمعونه أو يعقلونه ،فيبعث ذلك في نفوسهم الخشية من الله ،وإن لم يشاهدوه بالحسّ لأنهم يرونه من خلال الغيب الذي يؤمنون به ،في إشراقة المعرفة في قلوبهم ،وفي صفاء إحساسهم بالحقيقة الإِلهية في وجدانهم ،وهؤلاء هم الذين ينالهم الله بمغفرته ،ويجزيهم أجرهم الكبير جزاءً بما كانوا يؤمنون وبما كانوا يعملون .
* * *
يعلم سركم وجهركم
ثم أراد الله أن يثبّت الإحساس بالله وبرقابته في عمق الإيمان ،بإحاطته الشاملة لكل خفايا الناس ،سواء ما أسرّوه في صدورهم أو غير ذلك مما لم يطَّلع عليه أحد غيرهم ،لأنه المطَّلع على ذلك كله ،فلا يحجبه عن خلقه شيء ،لأن طريقة إحاطته بالأشياء تختلف عن طريقة خلقه ،فهم يعرفونها من خلال الوسائل الحسية أو العقلية التي يملكونها ،وينفذون بواسطتها إلى الأشياء ،فيختلف السرّ عندهم عن العلانية ،كما يختلف الإخفات عن الجهر .ولكن الله يعرف الأشياء من خلال خلقه لها ،فهي موجودةٌ في علمه قبل وجودها ،ومكشوفةٌ له بوجودها لإحاطته بكل تفاصيلها الخفية والظاهرة ،حيث يبصر من فوق عرشه ما تحت سبع أرضين ،ويسمع وساوس الصدور ،