{غَيْرَ مَمْنُونٍ}: غير مقطوع .
{وَإِنَّ لَكَ لأجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع ،لأنه ليس محدوداً بحدٍّ معيّن ،فهو الأجر على الرسالة التي أعطيتها الكثير من جهدك ،وعانيت ما عانيته في سبيلها ،حتى اهتدى الناس بها في ما بلَّغته من آياتها ،واستقام الطريق في ما حدّدته من مناهجها ،وانفتحت المعرفة على آفاق واسعةٍ جديدةٍ في ما أطلقته من أفكارها ،فامتدت مع الأجيال لتعمّق إحساسهم بالإيمان بالله ،ولتدفع بعقولهم إلى بناء الحياة على قاعدة الحق والخير والعدل بين يدي الله ،فكان لك أجر ذلك كله ،لأنك ركّزت الأساس وأعليت البناء ولامست الأعماق بالمحبة والرحمة ،ولا تزال الرسالة تجري مجرى الأنهار ما بقيت الحياة ،ولا يزال أجرك يمتد معها امتداد النور مع الشروق .
وربما احتمل بعضهم بأن المقصود بالمنِّ المنفيّ هنا ،ذكر المنعم إنعامه وترديده على أسماع المنعَم عليه أو على أسماع غيره ،فأريد هنا بيان أن الأجر مما يستحقه الرسول بما جعله الله له ،فلا منّة عليه .
ولكن قد يلاحظ على ذلك بأن المسألة عندما تكون مع غير الله ،فهناك مجالٌ للحديث عن نفي المنّة في أجره ،ولكن عندما تكون المسألة في ما يمنحه الله من أجر ،فإن الله يملك المنّة على كل خلقه ،لأنه يملكهم ويملك أعمالهم ،فليس لهم من ذلك شيءٌ ،بل هو تفضُّل منهتعالىعليهم ،وربما كانت الكلمة بهذا المعنى واردة على سبيل الكناية باعتبار ما تختزنه من معنى الثقل والإِذلال ،ليكون المقصود هو أن هذا الأجر الذي يمنحه الله لا يحمل أيَّ معنًى من المعاني التي قد تثقل على شعوره ،بل ينساب تأثيره في إحساسه انسياب الفرح الروحي في الأعماق .