{فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} لأن الأمر ليس بحاجة إلى القسم لتأكيده ،لأنه من حقائق العقيدة التي يفرضها الإيمان بالألوهية التي تملك القدرة المطلقة بطبيعة ذاتها ،لا سيّما إذا لاحظنا تعدد الشروق والغروب في مواقع النجوم التي تمتد في الفضاء ،ولكل واحدٍ منها مشرقٌ ومغربٌ يختلف عن الآخر في آفاقه ومميزاته .وربما كان المراد مشارق الشمس ومغاربها المتوالية على بقاع الأرض ،فإن الشمس قد تغرب عن قوم لتشرق على قومٍ آخرين ،وهكذا تتوالى في كل لحظة أَثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس ،ليطلع مشرقٌ هنا ،ويختفي مغربٌ هناك .فإذا كان الله قادراً على أن يحرّك الشروق والغروب في الكون عن قانونه الطبيعي ،فإن من الطبيعي أن يوحي للناس بقدرته على ما هو أقلّ شأناً من ذلك ،أو ما هو مماثلٌ لذلك ،{فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ*عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} فإن الذي خلقهم من العدم قادرٌ على أن يعيدهم إليه ،ويخلق خلقاً جديداً يتميز عنهم بالإيمان والوعي والعمل الخيّر والانفتاح على عبوديته لله ،ولن يستطيعوا أن يعطلوا إرادته ،أو يسبقوه في تقديره .
إن المشكلة التي تواجه القلب الإنساني الذي ينحرف في تصوراته إلى غير المسار الطبيعي الذي يجب أن ينفتح عليه ،هي أنه يستغرق في فكرةٍ واحدةٍ بعيداً عن الانطلاق إلى أفكار أخرى مماثلةٍ أو مقارنةٍ يستدل ببعضها على بعضٍ آخر ،تمتد آفاقه إلى أبعد من الأفق الذي يطوف فيه عقله ،ولذلك كانت التحديات القرآنية توجه الإنسان إلى التجوّل الفكري في رحاب الكون ليشاهد عظمة خلق الله ،فينتقل منها إلى آفاق عظمته ،ليؤمن بأن الله لا يعجزه شيءٌ في كل مواقع الخلق في كل مفرداته المتنوعة .