{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} لأنه مصدر الرزق كله ،ومصدر الخلق كله ،{وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ} في ما تمتد بها الخضرة الحافلة بألوان الزرع من فاكهةٍ وثمارٍ وعشبٍ ونحو ذلك ،{وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} تجري في الأرض من الينابيع التي أودعها الله في أعماقها ،أو من الثلوج التي جعلها الله في أعالي الجبال ،فتبدع الخصب والرخاء ،وتحيي الأرض بعد موتها .
العلاقة بين الإيمان وإنزال هذه النِعَم !
ولعلَّ هذا الربط بين الإيمان الذي يعبّر عنه الاستغفار ،وبين إنزال الله هذه النعم التي تمثل حاجاتهم الحيوية العامة ،ناشىءٌ من أنَّ الإِيمان الخالص يجعل الناس موضع رحمة الله في ما ينزله عليهم من ألطافه وفيوضاته ،مما قد يزيد من حجمها وامتدادها .كما أنّ الانحراف عن الله قد يجعل القضية في دائرة البلاء الذي قد يقلّل من نعم الله ،ويؤدي إلى فساد الواقع في حياة الإنسان ،وبذلك فإن نوحاً( ع ) ربما كان يريد أن يثير في نفوس قومه قيمة العلاقة بالله من موقع الإيمان به في حياة الناس العامة على مستوى النعم التي يحتاجونها .وربما كان الأساس في ذلك هو الإيحاء لهؤلاء الناس الكافرين بأن الله هو وحده المهيمن على الكون كله في ما يشتمل عليه من الظواهر المتصلة بالحياة الإنسانية ،ليرتبطوا به من موقع النعمة ،كما يرتبطون به من موقع القدرة والعظمة ،وقد أشار القرآن الكريم إلى الجانب الإيجابي في هذا المجال بقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالأرْضِ} [ الأعراف:96] وقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ ولأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ* وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ} [ المائدة:65 66] وقوله تعالى:{أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ* وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [ هود: 23] .
أمَّا في الجانب السلبي ،فقد جاء في قوله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [ الروم:41] وقوله تعالى:{وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [ الشورى:30] .