{قَالَ رَبِّ إِنّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} فلم تشغلني أوضاع النهار ومشاغله عن الدعوة إليك ،كما لم يبعدني الليل في راحته الاسترخائية التي تدفع إلى النوم عن ذلك ،لأنني أعتبر مسألة الرسالة مسألةً حيويّةً تفرض على الرسول أن يتابع إبلاغها وتحريكها في حياة الناس ،لحظةً بلحظةٍ ،من خلال مراقبته للأوضاع التي يعيشونها في نقاط ضعفهم وقوّتهم ،ليستفيد من أيّة حالةٍ عميقةٍ أو طارئةٍ ،في سبيل الوصول إلى قناعات الناس الفكرية والروحية التي تتغير وتتبدل ،تبعاً لما يحيط بهم من أوضاع ،ولما تحفل به حياتهم من متغيّرات ،لأن الإنسان قد يقتنع في الصباح على أساس بعض الأوضاع النفسية أو بعض الأحداث الطارئة بما لا يتأثر به في المساء ،باعتبار اختلاف الأوضاع والأحداث ،ما يجعل الرسول أو الداعية في حالة ملاحقةٍ دائمةٍ ورصدٍ دقيقٍ لحركة الناس اليومية ،فلعلّ ذلك الإصرار على التبليغ في مدار الساعة يحقق شيئاً من التقدم في قناعاتهم .ولكنّ قوم نوح كانوا بعيدين عن ذلك ،لأنهم قرروا الرفض الحاسم للرسالة وللرسول ،فأغلقوا آذانهم عن السماع ،وعقولهم عن التفكير ،وألسنتهم عن الحوار .وهذا ما عبر عنه نوح في تقريره الرسالي إلى ربه:{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِي إِلاَّ فِرَاراً}