{وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} أي لا أحتاج إلى القسم بها ،مع أنها في مستوى القسم من خلال قيمتها في ميزان حركة الوجود الإنسانية في ارتفاعه إلى الأعلى ،باعتبار أنها تعمل على تخفيف الأثقال الروحية والأخلاقية التي تشدّ الإنسان إلى الأسفل ،لينطلق من موقع إنسانيته في حالات الصفاء الروحي الذي ينفتح به على الله ،وبذلك كانت تمثل قمّة النموذج الإنساني في أصالة التجربة الحيّة الواعية في حركة الحياة في داخله .
ما هو مفهوم النفس اللوّامة ؟
ولكن ما هو مفهوم النفس اللوّامة ؟
قيل المراد به النفس الإنسانية التي تعمّ النفس المؤمنة الصالحة والكافرة الفاجرة ،فإنها تلوم الإنسان يوم القيامة ،أمّا الكافرة فعلى كفره وجحوده ،وأمّا المؤمنة فعلى قلة الطاعة وعدم الاستكثار من الخير .
وقيل: هي النفس المؤمنة التي تلوم نفسها في الدنيا وتحاسبها فتقول: ماذا فعلت ؟ولِمَ قصّرت ؟فتكون مفكرةً في العواقب أبداً ،والفاجرة لا تفكر في أمر الآخرة ولا تفكر في العواقب .
ولعلّ هذا هو الوجه الأقرب ،لأن مسألة اللوم في يوم القيامة ،لا تمثل أيّ تأثير على مستوى حركية الإنسان في الارتفاع بموقفه إلى الأعلى ،فلا تُكَوّن قيمةً في المعنى الإنساني الكبير ،لأنها لا تمارس إلاّ حالةً طبيعيةً ناشئةً من الاصطدام بالواقع على أساس الخسارة ،أو على مستوى الربح القليل الذي كان من الممكن أن يكون كثيراً ،كما كان من الممكن أن لا تكون هناك خسارة .أمّا اللوم الذي يتابع كل أفكار الإنسان وكل أقواله وأفعاله وعلاقاته ليواجه الموقف بالتعديل والتغيير ،وليخفّف عن الإنسان كل أثقال السلبيات الأخلاقية ،وليدفعه إلى التوازن في الدنيا الذي يؤدي به إلى التوازن في المصير في الآخرة ...أمّا هذا اللوم ،فإنه يمثل القيمة التي تكون في مستوى القسم ،ولعلّ الحديث عن النفس اللوّامة في أجواء الحديث عن يوم القيامة ،يوحي بأن النفس اللوّامة هي التي تتعاطى مع مسألة يوم القيامة بالجدّية اللازمة التي تدفع بالاحتمال الفكريفي ما يثار من قضايا الغيبإلى الملاحقة الفكرية بالتأمّل والتدبّر والحوار ،لتصل من خلال ذلك كله إلى القناعات الواعية الثابتة القائمة على الدليل والبرهان ،لأن عمق اللوم على الغفلة وعلى التقصير ،لا يترك النفس سادرةً في هواها وفي غفلتها ،ولا يقف بها في أجواء اللاَّمبالاة تجاه ما يثار حولها من قضايا ،لا سيّما إذا كانت القضية تتصل بالمصير الأبديِّ ،ما يجعلها في مستوى الأهمية الكبرى في مواقع الفكر والإيمان .
إنها الحقيقة التي لا مجال فيها لأيّ ريب أو استبعاد مما يمكن أن يثيره الناس في العقول على أساس ما درجوا عليه من خضوع الإيمان للحسّ المألوف لديهم ،ليقيسوا الأشياء غير المرئيّة على الأشياء المرئيّة ،فيكون عالم الغيب خاضعاً لعالم الحسّ ،وهذا ما تعالجه الآيات التالية .