{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} أي صعباً شديداً ،وذلك ما يريد الله أن يثيره في وعي الإنسان ،من أجل أن يربّي نفسه على الانضباط في الالتزام بأوامره ونواهيه ،على أساس التطلّع إلى يوم القيامة ،حيث يواجه نتائج عمله في عذاب الله ،وهذا هو الهاجس الذي عاشه هؤلاء الأبرار عندما كانوا يطعمون الطعام وهم في أشد حالات الحاجة إليه ،طلباً لمرضاة الله ،واتّقاءً لعذابه .
قصة الآية في حياة أهل البيت( ع )
وجاء في تفسير الكشاف ،عن ابن عباس «أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) في ناسٍ معه ،فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على وَلدك ،فنذر عليّ وفاطمة ،وفضةجارية لهماإن برئا أن يصوموا ثلاثة أيام .فشفيا وما معهم شيءٌ ،فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ،فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ،فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ،فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد ،مسكين من مساكين المسلمين ،أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ،فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء ،وأصبحوا صياماً .فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم ،وقف عليهم يتيم فآثروه ،ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك .
فلما أصبحوا أخذ علي رضي الله عنه بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) ،فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ،قال: ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم .وقام فانطلق معهم ،فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ،وغارت عيناها ،فساءه ذلك ،فنزل جبريل وقال: خذها يا محمد ،هنّاك الله في أهل بيتك ،فأقرأه السورة »[ 1] .
هذا وقد أورد الرواية القمي في تفسيره بصيغة أخرى ،مرفوعة إلى أبيه عن عبدالله بن ميمون عن أبي عبدالله( ع ) قال:"كان عند فاطمة( ع ) شعير فجعلوه عصيدة ( شعير يلتّ بالسمن ويطبخ ) ،فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال: مسكين رحمكم الله ،فقام علي( ع ) فأعطاه ثلثاً ،فلم يلبث أن جاء يتيم فقال يتيم رحمكم الله فقام علي( ع ) ،فأعطاه الثلث ،ثم جاء أسير ،فقال: أسير رحمكم الله ،فأعطاه( ع ) الثلث وما ذاقوها ،فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم ،وهي جارية في كل مؤمن فعل ذلك لله عزّ وجل "[ 2] .
وفي مطلق الأحوال ،إذا كانت هذه الآيات قد نزلت بهذه المناسبة ،فإنها في الوقت الذي تدل فيه على فضل أهل البيت( ع ) في تكريم الله لهم ،فإنها لا تختص بهم في الإِيحاء الأخلاقي العام للشخصية المسلمة التي تقدّم النموذج القدوة ،بل تنطلق لتتحرك في الخط الأخلاقي في كل زمانٍ ومكان .