{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} حيث التعبير عن الرغبة في القرب إليه ،فهم يقدمونه لله عندما يقدّمونه لهم ابتغاء مرضاته بعيداً عن النوازع الذاتية ،{لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً} لا التعويض المادي ولا المعنوي ،فهي الرحمة العميقة في القلب المنفتح على الناس من خلال انفتاحه على الله ،وهي الروح التي تعيش العطاء كرسالةٍ روحيةٍ تتحسّس حاجات الآخرين وآلامهم ،ولذا فإنها تبذل وتبذل ،وتتدفّق بالخير كله تماماً كما هو الينبوع عندما يتدفق بالماء إلى الأرض العطشى ،وكما هي الشمس تبذل النور إلى كل الآفاق المظلمة التي تتطلّع إلى رحاب الشروق .
بين سموّ العطاء والخوف من الله
وهذا ما تنطلق فيه التربية الإسلامية للشخصية الإنسانية من أجل أن يكون العطاء عنصراً ذاتياً في الإنسان ،بحيث يتحرك في ذاته بشكلٍ عفويٍّ ،وأن يكون الدافع الأساس في ذلك كله هو ابتغاء وجه الله ،حيث ينفتح على الله كما لم ينفتح على غيره ،فهو الوجود كله ولا وجود لغيره ،وهو الغاية في كل شيء ولا قيمة لسواه ،فتكبر الأشياء لديه إذا ارتبطت بالله ،وتصغر الأمور عنده إذا انفصلت عن الله ،وتتلوّن حياته بهذا اللون السماويّ المشبع بالصفاء ،فلا معنى للحياة إلا إذا التقت بالله في مواقع الحياة .
وإذا كان الهدف هو ابتغاء وجه الله في عمق المحبة ،فإن الخوف منه قد يؤكِّد الارتباط الروحي من جهة أخرى ،فهؤلاء الناس الذين يتمثلون في هذا النموذج الإنساني ،يتطلعون إلى اليوم الآخر في أهواله ومشاهده العابسة المرعبة ،فيدفعهم الخوف منه إلى الوقوف في خط المسؤولية ،فيقدّمون كل شيء لديهم من أجل أن يتخلصوا من عذاب الله في ذلك اليوم .