{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} أي ملتفةً أشجارها بعضها على بعض .
علام يدل هذا كله ؟ألا يدل على أن الكون كله خاضعٌ للقوّة الإلهية المدبّرة التي خلقته وخطّطت له ،ودبرته تدبيراً محكماً ،بحيث لا مجال فيه لأيّ انحرافٍ وابتعادٍ عن خطه المرسوم له ،كما يدلّ على شمولية القدرة وامتدادها بحيث لا يعجزها شيء ؟فإذا كانت تملك الخلق والتدبير في موقعٍ معينٍ مليءٍ بالصعوبة والتعقيد ،فإنها تملك مثل ذلك في موقع آخر مماثلٍ أو أقلّ صعوبة .
إن المسألة ليست مسألة مفردات القدرة ،بل هي مسألة طبيعتها ونوعيتها ،ما يجعل من وعي الأساس وعياً لكل الأمور المنطلقة منه .فكيف يمكن لمن يؤمن بأن الله هو الخالق للحياة كلها ،والمبدع لكل ما فيها من موجودات وأسرار ،أن ينكر قدرة الله على إعادة الحياة ،وهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من المشركين ،لا ينكرون وجود الله ؟
وهناك نقطة أخرى قد يستوحيها الإنسان من أسلوب هذه الآيات ،ألا وهي مسألة استيحاء الحكمة في هذا التدبير الإلهي للوجود في طبيعته وحركته ،في خلقه للإنسان وفي تسخيره الكون له .فهل يمكن لنا أن نفكر بالعبثية في أفعال هذا الخالق العظيم المدبّر الحكيم ؟ولماذا يعبث فيبتعد عن الحكمة في تدبيره ؟هل هما التعب والملل اللذان يغريان بالعبث للحصول على الاسترخاء للتخفّف من الجهد الثقيل الذي يطبق على الوجود ،أم ماذا ؟
تعالى الله عن كل ذلك علوّاً كبيراً ،فهو الغني بذاته ،والحكيم بذاته ،وعلى ضوء ذلك ،فلا بدّ من أن تكون هناك حكمةٌ في النتائج العملية للمسؤولية لتفسر حركة الخلق في خط المسؤولية ،ما يفرض أن يكون تفسير المعاد تفسيراً واقعياً للحكمة من خلق الإنسان ،وربما كان الحديث عن تدبير الله وحكمته في تعداد الظواهر الكونية المتنوعة لوناً من الحديث عن واقعية المعاد وإمكانه في ما استقبل به الحديث عن «النبأ العظيم » ،وفي ما يفصِّله من يوم الفصل .