{أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً} وذلك من خلال إنزال المطر الذي يعرفه كل الناس كحقيقةٍ وجودية متحركة في كل مكان ،وأمام كل الناس ،فكيف كان المطر ؟وما هي العوامل التي دفعت به إلى الأرض ،وكيف اختلفت الفصول والمناطق في أمره ،من حيث تكوّنه وهطوله ؟
إن الناس لا يثيرون عادةً كل هذه الأسئلة ،لأن الكثيرين منهم لا يهتمون بدراسة أسرار الظاهرة ،بل يكتفون بالارتباط بها في مواقع الحسّ ،والاستفادة منها في مجالات الحاجة .ولكن هناك بعضاً من الناس الذين يملكون الفضول العلمي ،فيبحثون عن الأسرار في جهد دائب للوصول إليها ،وقد جاء في بعض الأبحاث العلمية الحديثة بعضاً من الحديث عن ذلك .فقد قال «كريسي موريسون » في كتابه: «الإنسان لا يقوم وحده » الذي ترجمه محمود صالح الفلكي بعنوان: «العلم يدعو إلى الإيمان »:
إذا كان صحيحاً أن درجة حرارة الكرة الأرضية وقت انفصالها عن الشمس كانت حوالي 12 ، 000 درجة ،أو كانت تلك درجة حرارة سطح الأرض ،فعندئذ كانت كل العناصر حرّةً ،ولذا لم يكن في الإمكان وجود تركيب كيميائيّ ذي شأن .ولما أخذت الكرة الأرضية أو الأجزاء المكوّنة لها في أن تبرد تدريجياً ،حدثت تركيبات ،وتكوّنت خليّة العالم كما نعرفه .وما كان للأوكسجين والهيدروجين أن يتّحدا إلا بعد أن هبطت درجة الحرارة إلى 4000 درجة فهرنهايت .وعند هذه النقطة اندفعت معاً تلك العناصر ،وكوّنت الماء الذي نعرّفه الآن أنه هواء الكرة الأرضية ،ولا بد أنه كان هائلاً في ذلك الحين .وجميع المحيطات كانت في السماء ،وجميع تلك العناصر التي لم تكن قد اتحدت كانت غازاتٍ في الهواء .وبعد أن تكوّن الماء في الجوّ الخارجي ،سقط نحو الأرض ،ولكنه لم يستطع الوصول إليها ،إذ كانت درجة الحرارة على مقربةٍ من الأرض أعلى مما كانت على مسافةِ آلاف الأميال .وبالطبع جاء الوقت الذي صار الطوفان يصل فيه إلى الأرض ليطير منها ثانياً في شكل بخار .ولما كانت المحيطات في الهواء ،فإن الفيضانات التي كانت تحدث مع تقدم التبريد ،كانت فوق الحسبان ،وتمشّي الجيشان مع التفتت[ 2] .
وقد لا نستطيع التأكد من هذه التصورات العلمية ،كما لا نتمكن من إخضاع المضمون القرآني لها ،ولكننا نجد ،في هذه الظاهرة المحسوسة ،في صبّ الماء من السماء ،توجيهاً للفكر الإنساني ،ليتأمله ،وليتعمق في دراسته ،وفي القوانين الإلهية الكونية التي تحكمه ،ليزداد بذلك معرفة ،فيزداد بالمعرفة إيماناً ،لأن أيّ تفسيرٍ ينطلق من القانون الإلهي ،لا بد من أن يثير الشعور بالعظمة في التدبير والتقدير .