{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وأُمِّهِ وأبِيه* وصاحِبَتِهِ وبَنِيه} إنه الهول الشديد الذي يدفع الإنسان إلى التفكير بنفسه ،بعيداً عن التفكير بغيره ،فضلاً عن تحمّل مسؤوليته ،فتتقطع بذلك العلاقات التي تشد الإنسان إلى أرحامه وإلى الأقربين منه ،فلا دور للأخوّة هناك في اجتذاب عاطفة الأخ لأخيه ،ولا مجال للأمومة والأبوّة لاجتذاب عاطفة الابن لأبويه ،كما تذوب المشاعر الحنونة الحميمة في شعور الأب تجاه بنيه ،أو إحساس الحب للزوج تجاه زوجته .إنه الفرار ،فرار الإنسان من كلّ الذين قد يتعلّقون به ،وقد يسألونه حاجةً ،وقد يذكّرونه بعلاقتهم به ،وقد يشغلونه بذلك عن بعض ما هو فيه ،إنه مشغول بنفسه ،بمصيره ،بالنتائج المرتقبة أمامه ،ولذلك ،فإن كل تفكيره يتجه إلى ذلك ،بعيداً عن كل هؤلاء .
إنها لا تمثل موت العاطفة ،بل تمثل تغلّب الخوف المرعب الهائل على إحساسه بعلاقاته النسبية والعاطفية ،مما يجمّد له ذلك الشعور الإنساني الحميم ،تماماً كما هي الحال في الحياة الدنيا ،عندما تضغط عليه التحديات الصعبة .