{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي جمعت وانزوت واقترب بعضها من بعض ،فلم يتعطّل لديها إمكان التحرك بحرية ووفق طريقتها الخاصة التي تطلب بها غذاءها عادة ،أو لتحمي بها نفسها من بعضها البعض ،في ما اعتادته من افتراس بعضها البعض ،وإذا الموقف قد أنساها كل شيء ،بحيث يمرّ الوحش القوي بالحيوان الضعيف ،فينسى غريزة الافتراس في ذاته ،ويمرّ الضعيف بالقوي فلا يخاف منه .
ولكن ،هل المراد من الحشر هو حشرها في ساحة القيامة ؟وهل للوحوش تكليفٌ في الدنيا حتى تحاسب على الانحراف عنه في الآخرة ؟أم أن للمسألة معنًى آخر ؟.
ربما يقال بالمعنى الأول ،إن الوحوش محشورة كالإنسان ،ويؤيده قوله تعالى:{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [ الأنعام:38] .
«وأمّا تفصيل حالها بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى ،ولا في ما يُعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك » ،كما يقول صاحب الميزان[ 1] .
ويقول صاحب مجمع البيان في تفسير الآية: «أي جمعت حتى يقتص لبعضها من بعض ،فيقتص للجماء من القرناء ،ويحشر الله ،سبحانه ،الوحوش ليوصل إليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي نالتها في الدنيا ،وينتصف لبعضها من بعض ،فإذا وصل إليها ما استحقته من الأعواض ،فمن قال إن العوض دائم ،تبقى منعمةً إلى الأبد ،ومن قال تستحق العوض منقطعاً ،فقال بعضهم: يديمه الله لها تفضلاً لئلا يدخل على المعوّض غمٌّ بانقطاعه ،وقال بعضهم: إذا فعل الله بها ما استحقته من الأعواض جعلها تراباً »[ 2] .
وربما قيل: «إن حشر الوحوش من أشراط الساعة لا مما يقع يوم القيامة ،والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها »[ 3] ،وهذا هو المعنى الثاني الذي أثرناه في السؤال ،وربما كان هو الأقرب ،لأن الآية واردة في أشراط الساعة لا في وقائعها ،في ما يوحي للإنسان بالرعب ،بحيث تصل المسألة في أهواله ،إلى مستوى حشر الوحوش في مكان واحدٍ بالرغم من خروج ذلك عن طبيعتها ..أمّا مسألة الآية في سورة الأنعام ،فقد يكون المراد بالحشر إلى الله غير الحشر في ساحة الحرب ،لأنه لم يثبت أن هناك تكليفاً للحيوانات ،ولا معنى لتعويض الحيوانات عن آلامها ،وإلا لكان قتلها أو ذبحها موجباً لذلك .ولم يثبت ذلك من عقل ولا من نقل .